التصوير زمن الرحيل والتشييع عن بعد الكاتب : صالح العجلوني

0 296

العالم الآن – حققيبتهُ دومًا جاهزة وقد أرهقها الدوران في مسارات تسليم الأمتعة في المطارات، كان ينتظر نهاية كل أسبوع بفارغ الصبر ليطير إلى حيث هناك على متن أجنحة الشوق ، فثمّ قلبٌ يُسَرُّ بقدومه ، ولكن هذه المرة خذلته تلك الأجنحة فلا الشوق يوصله ولا المال يسعفه، ويأتيه الهاتف ليخبره ؛ ما كنت تخشاه قد وقع سدت الطرقات وأغلقت المطارات والموت جاء لمن كنت تطيل له الرجاء …هكذا تلقى صديقي خبر وفاة والده يوم أمس …
وحَدَثُ الموت كما تعلمون عظيم بذاته ؛ فهو أشد سابقه، وهو حدث له من الجلال والمهابة ما له، ولقد زاد من وقع ذلك الخبر ؛ عدم قدرة ذلك الصديق على القيام بواجباته الدينية والعاطفية والاجتماعية نحو والده ؛ فكل منهم في دولة مختلفة … وقد شاء الله أن تحدث الوفاة في هذه الظروف فلا طائرات تطير ولا مطارات تعمل …
فقام بتأدية صلاة الغائب على والده وهي سنة علمنا إياها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما صلّى صلاة الغائب على النجاشي ملك الحبشة … وأكمل صديقنا باقي متطلبات الحدث عبر البث المباشر من خلال ما تيسّر من عدسات تلتقط وجهًا حزينًا هنا أو دمعة ذُرِفَت من هناك …فكان التشييع عن بعد سبيله وهو في هذا البعد…
ولقد تصادف ذلك الحدث الواقعي مع حدث افتراضي كان يدور على صفحات الفيس بوك من خلال منشور لناشطة اجتماعية – مقدرة ومحترمة – حيث كانت تستنكر بشدة تصوير الجنائز وطقوسها على خلفية قيام بعض المشييعن بتصوير جنازة أول ضحية من ضحايا جائحة كورونا في الأردن – رحمها الله- معللة ذلك الرفض بضرورة احترام جلال الموت والمحافظة على مشاعر أهل الميت وحرمة الموتى وعدم جواز التصوير في حدث كهذا ، ولقد وافقها الكثير من ضيوف صفحتها الرأي بعدم جواز ذلك وقد ذهب البعض لاستنكار ذلك الفعل وتجريمه أخلاقيا ونعت فاعليه بالمستهترين وغير ذلك من الصفات التي لا أحب أن أوردها هنا
ودار حوار ذو شجون بيننا وقد خالفتها الرأي بعدم جرمية تصوير الجنائز بشرط أن لا يكون التصوير مخلا بجلال الحدث وحرمة الميت معللًا ذلك أن التصوير ما هو إلا نقل للحدث من مكانٍ إلى مكانٍ آخر بقصد المشاركة والتوثيق واجتياز الحدود في حال غلبت القيود وخاصة في ظل ظروف كهذه ؛ فتصوير الجنائز سواء أثناء الصلاة عليها أو نقلها الى مثواها الأخير والدفن قد يكون بديلا عن الحضور عندما تنعدم السبل كما حدث مع صديقنا يوم أمس فالتصوير أسعده وواساه وجعله يعيش الحدث بما تيسر من شاشات وتطبيقات
فرحم الله الفقيد وكل العبيد وحمى الله البلاد والعباد من كل كرب وبلاء …

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد