ظاهرة سعد جابر ؛؛؛د. عصمت حوسو – الأردن
العالم الآن – طلب مني كثيرون في الأيام الماضية تقديم تحليل نفسي اجتماعي لسبب تعلّق الشعب الأردني بمعالي وزير الصحة الأردني الحكيم الدكتور “سعد جابر”، رغم أنني أفضّل أن أضع صفة (الحكيم) قبل المعالي؛ لأنّ الحكمة أدوم وأهم، وهي الركيزة الأساسية لنجاح “أصحاب المعالي”، المهم أنّ الإعجاب الشديد لهذا الرجل – في زمنٍ شحّ فيه الرجال- من كافة الشرائح الاجتماعية وجميع أطياف المجتمع الأردني، استرعى اهتمام البعض لمعرفة السبب، ولفت نظر الأغلبية لغرابة الوضع، لعلّ كثرة الفيديوهات والمنشورات التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي من باب الدعابة والمديح والغزل في ذات الوقت خير دليل..
ليس من طبعي إطلاقًا مديح المسؤولين، ولم أكن معجبة ومثلي كثيرون بأداء الحكومات، بما فيها الحالية، ولكن من باب “الموضوعية” ومن باب “الأمانة العلمية”، فإنّ أداء الحكومة الحالية في (أزمة كورونا) ملفت للنظر، وإن كان هناك بعض الأخطاء فهي تعود لحداثة واستثنائية الحدث، وقلة الخبرة في ملف الوقاية من الأوبئة، ولأنها حالة مستجدّة من المفروض أن تصبح “أولوية” فيما بعد، ولا مفرّ بعد هذا الحدث العالمي الخطير أن نتعلم الدروس، ويقوم أصحاب الشأن في استحداث استراتيجية خاصة لذلك، ورصد ميزانية كافية لها، ونتعلم مما حدث لتجنّب تكرار ذات الأخطاء مستقبلاً إن اجتاحت البشرية والأوطان مثلها- لا سمح الله- فالوقاية أجدى من العلاج..
وعودة إلى أداء الحكومة الحالية، والحقّ يُقال فلا شكّ أنه ضاهى حكومات بلدان كنا نعتقد أنها الأفضل لاعتبارات كثيرة، ومنها (عقدة الدونية) التي تم زرعها في الشعوب العربية أمام الغربية، ومعها أيضًا (عقدة الخواجا) بأنّ الغرب هم أفضل منا على جميع الصعد، ولست هنا بصدد مناقشة “مقارنة” غير عادلة أو أسباب ذلك، وما يعنيني في هذا المقال هو تفسير سبب “انبهار الشعب” بهذا الرجل على وجه الخصوص..
وقبل أن أبدأ بتحليل سلوكه، لا بدّ من الإشارة هنا لقاعدتين هامتين في (السلوك الإنساني) للمهتمين بالحكيم الإنسان، أولاً؛ حتى نشجّع المسؤول للاستمرار في العطاء والنجاح يجب أن يكون الانتقاد دائمًا بنّاءً لا هدّامًا كما اعتدنا، وعند تقديم الانتقاد يجب أن يكون للسلوك لا للشخص؛ لأنّ (الشخصنة) تستفزّ مشاعرالعداء وسلوك الهجوم لدى الشخص، وحينها سيبدّد طاقته في محاربة من أساء له أو لها بدلاً من توظيفها نحو مزيدًا من العطاء وحسن الأداء، والنقطة الأخرى الهامة أيضًا التي يغفل عنها كثيرون؛ أنّ الانتقاد حتى يكون مسموعًا يجب أن يقابله مديحًا في مواقف تستحقّ ذلك، أما الاكتفاء في الانتقاد والسكوت و (الصمت) في حال النجاح والأداء الفعّال، فلن يكون مسموعًا، ولن يتم تفسيره من صاحب الشأن سوى بمشاعر “الغيرة الشديدة”، وقتل الهمة والعزيمة والطموح من قِبل أعداء النجاح.
أما القاعدة الثانية؛ فيجب أن نتعلم مدح (السلوك) لمن هم في موقع المسؤولية وليس (الشخوص)، حتى نبتعد عن ظاهرة طالما سادت في مجتمعاتنا العربية وهي (تأليه) الأشخاص، وصناعة (الصنم) وعبادته، وهذا ما جعل الشعوب العربية تراوح مكانها، وجعل الأصنام تطغى وتعيدينا للوراء، وفي المقابل، عندما نمتدح السلوك والأداء، وانطلاقًا من قاعدة أنّ السلوك الإنساني مُعدٍ كعدوى الفيروس نفسه، فنحن هنا نساعد صاحب السلوك المُبهر على الاستمرار في النجاح والأمانة والعطاء من موقع مسؤوليته، لا التقاعس بعد التأليه والمديح الذي قد يصل حدّ التملّق أحيانًا، الأمر الذي قد يجعل (الشهرة والمديح) تعميه وتحجبه عن رؤية الحقائق وتثنيه عن الاستمرار في علاج مواطن الخلل فيها، فهذه هي “الطبيعة البشرية”، ويجب علينا فهم بعضًا منها لنتمكّن من إكمال سيرورة الإنسان وصيرورة الحياة بسلام وسعادة..
وفيما يتعلق بالحكيم الوسيم سعد جابر-مع حفظ الألقاب- الذي أبهر النساء أيضًا لدرجة الغزل والحبّ الافتراضي، ولحدّ تسميته (كلوني الأردن)، فيعود بالإضافة لما يتمتّع به من (كاريزما)، إلى عدة أسباب لعلّ أهمها، مهارته في تحقيق (التناغم) ما بين لغة جسده ونبرة صوته وكلامه المنطوق المتطابق مع المقصود تمامًا، وتلك أهم قواعد نجاح نقل الرسالة للآخرين في مهارات التواصل الإنساني، على الرغم أنّ هذا يصدر عنه بشكل عفوي، وعفويته وبساطته ما شدّت الناس له، أضف إلى ذلك غياب نموذج (البطل) في أعين الشعب منذ فترة طويلة، وبطوليته في ملف الصحة جذبت له الناس، كما أنه منح الناس جميعًا، ولا سيما النساء، شعور (الأمان) المفقود لدى الجميع، والذي يحتاجه الإنسان كحاجته للطعام والشراب، وهذا يفسّر إعجاب النساء به بنسبة أكبر بناءً على المشاهدات اليومية في العالم الافتراضي الأزرق، فالمرأة تفوق الرجل في حاجتها للأمان وحاجتها له من الرجل بشكل خاص، ولأنّ سعد، وله من اسمه نصيب، قد أسعد النساء بمنحهنّ الأمان المعيشي والأمان الذكوري في ذات الوقت، وقعن في غرامه..
ومن الأسباب الهامة لذلك أيضًا، هو (العطش العاطفي) بسبب الجفاف التام الذي كنا نشعر به سابقًا من عدم تعاطف المسؤولين مع الشعب، ولم يعتد المواطنون أن يتعامل معهم المسؤولون بحبّ ولطف وبلغة أبوية حانية، يصاحبها في ذات الوقت حسّ الفكاهة والدعابة والدماثة والتواضع والبساطة، والأخيرة لم نعتدها أيضًا مقابل ما كنا نسمعه دومًا ((إنت مش عارف مع مين بتحكي))، كما أنّ روحه “الإيجابية” وكلامه الداعم يرفع معنويات الشعب في ظلّ العتمة، والسلبية، وضبابية المشهد، وحالة الرعب التي نعيشها اليوم قبل كورونا وبعدها..
ونضيف هنا أيضًا، (أزمة الثقة) التي سادت لعقود طويلة بين الشعب والحكومات السابقة وحتى الحالية قبل الكورونا، فجعلت الشعب يرى “الواجب” وكأنه “فضل”، وأن ما يقوم به المسؤول من واجباته البديهية وكأنها معجزة، لذلك أبهرت الحكومة بشكل عام وهذا الحكيم بشكل خاص الشعب بأكمله من جميع الأعمار والأطياف، فاستهجن الشعب المسكين رؤية الحكومة تنفّذ حقًا مقولة (الإنسان أغلى ما نملك) على الواقع، وبالفعل كذلك، لا بترنيم هذا الشعار زيفًا كما كان الوضع سابقًا، على الرغم أيضًا أنّه من المفروض أنّ يكون هذا الوضع هو الوضع الطبيعي لا الاستثنائي، وتلك هي أبجديات العمل العام..
الأردن جميعها قيادة وشعب وحكومة، أصبح أنموذجًا يُقتدى به للتعامل مع أزمة كورونا، ومن يتابع القنوات العالمية يرى ذلك في أمّ عينيه، وليست مبالغة ولا تسحيج كما يعتقد البعض، ومن يتابع خطابات “ترامب” يوميًا، بإمكانه أن يرى تخبّطه في هذه الأزمة، كيف لا وهو كسابقيه خصّصوا موازناتهم للذخائر والأسلحة وافتعال الحروب، ونسيوا في خضمّ جنون العظمة والرغبة القاتلة في الاحتفاظ بسيادة العالم، نسيوا (الإنسان) والإنسانية، وبعد ظهور التقارير العالمية بترتيب الدول التي نجحت في إدارة أزمة كورونا ومن ضمنها الأردن، سمعته قبل يومين يقول “أننا -أي أميركا- أفضل دولة في إدارة هذه الأزمة”، وهذا مدعاة للضحك والسخرية؛ لأنّ الإنجازات على أرض الواقع هي المعيار فقط، ولم يعد ينطلي على شعوب العالم (اللغو الإعلامي) والتشبيح دون فعل من قبل المسؤولين، ومعالم العالم كله ستتغير بعد هذه الأزمة؛ لأنّ جائحة كورونا هي “النقطة المفصلية” في تاريخ العصر الحديث، حيث قسمت الزمان والمكان إلى ما قبل وما بعد الكورونا..
وأخيرًا نقول لك أيها الحكيم أننا جميعًا فخورون بأدائك، وفخورون بالحبّ والرعاية التي غمرتنا بها حكومتنا الرشيدة، واستسمحونا عذرًا لبعض التجاوزات من قبل البعض، ولكننا جميعًا قلبًا وقالبًا معكم، ويجب علينا تحمّل مسؤولياتنا أيضًا اتجاه أنفسنا واتجاه أهلنا واتجاه الوطن، بأن نكون بحجم المسؤولية ونلتزم بالتعليمات للخروج من هذه الأزمة بأقلّ خسائر بشرية ممكنة، أما (الخسائر الاقتصادية) فيما بعد، فإذا بقي نفس الحكومة بهذه القوة، وبقي الشعب داعمًا لها بذات النفس، يدًا بيد، سنخرج حتمًا من جميع الأزمات السابقة واللاحقة بإذن الله..
أرجوكم جميعًا شعبًا وحكومة الاستمرار في الالتزام، لإبقاء الأردن في مصاف الدول العظمى، وشامخًا بأبنائه وبناته لحكمته وحسن إدارته لهذه الأزمة، فلنكمل ما بدأناه حتى النهاية، لنعود لدخول التاريخ الحديث ونُدخل العرب معنا مرة أخرى، بعد خروجنا منه نهائيًا واعتقدنا أنه خروج بلا عودة وللأبد..
أردنّ أرض العزم، كانت مجرد أغنية، واليوم تحولت إلى حقيقة، فالأردن قيادة وشعب وحكومة من ستردّ للشرق الصبا، وستحيي (روح العروبة) التي “شاخت” من المرار الذي مرّ عليها، فلنبقى معًا بقلب مُفعم في الحبّ، وعقل مُتخم بالمنطق والتوازن، إلى أن تنتهي هذه الأزمة، وندعو الله والحكومة وأصحاب القرار لاستنساخ (نسخ) أخرى كثيرة جدًا من نموذج هذا الحكيم، فهذا جلّ ما يحتاجه الوطن، وما نادى به المواطنون منذ أمد طويل من الزمن، وبذلك فقط نقطع الطريق على خفافيش الظلام وأصحاب الأجندات من إلحاق أي ضرر في الوطن، أو اللعب على استثارة عواطف الشعب واستغلال حالة البؤس والعوز والإحباط التي طالما عانى منها..
حمى الله الوطن، وكل من يتحمل المسؤولية من موقعه، ويثبت وطنيته وإنسانيته بالأفعال لا بالأقوال، ولا في التنظير الفارغ من المحتوى، ولا في استغلال المرحلة لصناعة بطولات (كرتونية)..
وسيبقى قلمنا نابضًا دومًا بحبّ الوطن، وسيبقى لنا من هذا الحديث حصّة أخرى وبقية…دمتم….
دة.عصمت حوسو