عبدالوهاب عيساوي يحقق انتصار الجزائر بالبوكر العربية… بعد سجال
العالم الآن – بدا مشهد إعلان جائزة البوكر للرواية العربية مختلفاً كل الاختلاف هذه السنة: لا احتفال ولا لقاء ولا تصفيق ولا جو حماسياً كما كان يحصل في أحد فنادق أبوظبي. هذا المشهد الذي ألفه الجمهور من كتّاب وصحافيين وإعلاميين عاماً تلو عام، غاب مع انتشار مرض كورونا الخطير في أرجاء العالم، مهدّداً الملايين من البشر ودافعاً إياهم إلى العزلة داخل منازلهم. لكنّ مؤسسة جائزة البوكر العربية بدعم من دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، عرفت كيف تواجه المرض وسطوته، فلجأت إلى وسائل التواصل الإلكتروني من يوتيوب وفيسبوك، لإعلان اسم الفائز والاحتفال به وبراويته، داعيةً جمهورها الكبير إلى مشاركتها هذه اللحظة الجميلة على الرغم من الحصار الكبير. حتى الأفلام الوثائقية التي يطلّ فيها الفائزون في اللائحة القصيرة لم تَغِب وقد عُرضت عبر اليوتيوب قبل إعلان الجائزة.
هل كان متوقعاً فوز رواية “الديوان الإسبرطي” للجزائري عبد الوهاب عيساوي في الدورة الـ13 لجائز البوكر العربية؟ ربما نعم وربما لا. كانت معظم الأنظار متّجهة إلى روايتين قيل إن المنافسة تمت بينهما، وهما “التانكي” للعراقية المقيمة في باريس عالية ممدوح و”الحي الروسي” للسوري المقيم في بلجيكا خليل الرز. وقيل إن جلسة التحكيم الأخيرة التي تمت أمس عبر السكايب شهدت نقاشاً طويلاً، تم بعده التوصل إلى اختيار الرواية الجزائرية. فالمعطيات كانت واضحة بعد غربلة أسماء المتبارين في اللائحة الطويلة وبقاء أسماء بعضها غير مقنع، بحسب ما كُتب في الصحافة. وكان فاضحاً سقوط اسمين هما السوري خالد خليفة (رواية “لم يصلِّ عليهم أحد”) والسوري الكردي سليم بركات (“ماذا عن السيدة اليهودية راحيل”). وبدا واضحاً أنّ حضور اسمين كبيرين في لجنة التحكيم كان شبه طاغ: رئيس اللجنة الناقد والأكاديمي العراقي محسن جاسم الموسوي، أستاذ الدراسات العربية والمقارنة في جامعة “كولومبيا” الأميركية، والروائي والناقد الأكاديمي الجزائري أمين الزاوي. أما الأعضاء الآخرون، فهم غير معروفين في حقل النقد الروائي، ومنهم المستشرقة الروسية فكتوريا زاريتوفسكايا، التي تبدو كسائر الضيوف الأجانب في لجنة التحكيم، عاجزة عن متابعة الكمّ الهائل من الروايات المتنافسة التي تتطلّب قراءتها جهداً كبيراً.
سنة الجزائر
نافست الرواية الفائزة خمس روايات، منها، إضافةً إلى روايتي عالية ممدوح وخليل الرز، “فوردقان” للباحث المصري الذي تحوّل روائياً، يوسف زيدان، ولكن كان من الصعب أن تدخل روايته المنافسة بعد فوزه بالجائزة سابقاً، “ملك الهند” للبناني جبور الدويهي التي لا تُعدُّ من أهم أعماله، هو الذي ترجمت رواياته إلى لغات عدّة و”حطب سراييفو” للجزائري سعيد خطيبي. وبفوزها استطاعت أن تحقق سنة الجزائر بامتياز: 4 روايات في القائمة الطويلة، روايتان في القائمة القصيرة ثم الجائزة الاولى.
كشف محسن الموسوي عن اسم الرواية الفائزة في الجائزة والصادرة عن دار ميم، فحصل عبد الوهاب عيساوي بموجبها على الجائزة النقدية البالغة قيمتها 50 ألف دولار أميركي، إضافةً إلى ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية.
عبر السكايب
وفي إعلان اسم الفائز، قال رئيس لجنة التحكيم محسن الموسوي في إطلالة له عبر السكايب من نيويورك حيث يقيم: “تتميز رواية الديوان الإسبرطي بجودة أسلوبية عالية وتعدّدية صوتية تتيح للقارئ أن يتمعّن في تاريخ احتلال الجزائر روائياً ومن خلاله تاريخ صراعات منطقة المتوسط كاملة، كل ذلك برؤى متقاطعة ومصالح متباينة تجسّدها الشخصيات الروائية. إنّ الرواية دعوة للقارئ إلى فهم ملابسات الاحتلال وكيف تتشكّل المقاومة بأشكال مختلفة ومتنامية لمواجهته. هذه الرواية بنظامها السردي التاريخي العميق لا تسكن الماضي، بل تجعل القارئ يطلّ على الراهن القائم ويسائله”.
أما رئيس مجلس أمناء الجائزة الأكاديمي ياسر سليمان، فقال في إطلاته من لندن: “تسحرك رواية الديوان الإسبرطي باستنهاضها للتاريخ بأبعاده السياسية والاجتماعية لخدمة العمل الروائي الذي يتجاوز هذا التاريخ برمزيته، وبتداخل رؤى القص وأصواتها من وجهات نظر متقاطعة تدعو إلى التأمل والتفكّر والمراجعة. وتتابع شخوصها الخمسة بمساراتها المتضاربة. وتسير في شوارع الجزائر المحروسة ومرسيليا وباريس وكأنك تعاينها بنفسك في زمن مضى ولم تنقطع مآلاته. وتحتكّ بالتركي والأوروبي والعربي وغيرهم من الأقوام متعاطفاً وساخطاً في آن واحد. كل ذلك في انسياب روائي أخّاذ، لا يدعك تترك الرواية حتى تصل إلى نهايتها بشغف يطلب المزيد. لقد أبدع عبد الوهاب عيساوي في هذا كله، ويكفي هذا القارئ أنه التقى السلاوي ودوجة في ثنايا الديوان، ولهث في أثرهما في ثنايا تاريخ ينبض بالمعاني”. وكانت لسكريتيرة الجائزة فلور مونتانارو اطلالة تحدثت فيها عن أبعاد الجائزة .
رواية “الديوان الإسبرطي” تنتمي إلى الفن الروائي التاريخي، ويكاد التأريخ فيها يطغى على السردي. في عالمها، تتقاطع خمس شخصيات داخل فضاء زمني ما بين 1815 إلى 1833، في مدينة المحروسة، الجزائر. والشخصيات هي: الصحافي ديبون الذي جاء في ركاب الحملة على الجزائر كمراسل، كافيار الذي كان جندياً في جيش نابليون ووجد نفسه أسيراً في الجزائر، ثم مخططاً للحملة. ثم ثلاث شخصيات جزائرية تتباين مواقفها من الوجود العثماني في الجزائر، وتختلف في طريقة التعامل مع الفرنسيين. يميل ابن ميار إلى السياسة كوسيلة لبناء العلاقات مع بني عثمان، وحتى الفرنسيين، بينما لحمة السلّاوي وجهة نظر أخرى، الثورة هي الوسيلة الوحيدة للتغيير. أما الشخصية الخامسة، فهي دوجة، المعلقة بين كل هؤلاء، تنظر إلى تحولات المحروسة لكنها لا تستطيع إلّا أن تكون جزءًا منها، مرغمة لأن من يعيش في المحروسة ليس عليه إلّا أن يسير وفق شروطها أو عليه الرحيل.
عبد الوهاب عيساوي روائي جزائري من مواليد 1985 في مدينة الجلفة، الجزائر. تخرّج من جامعة زيّان عاشور، ولاية الجلفة، مهندس دولة إلكتروميكانيك ويعمل كمهندس صيانة. فازت روايته الأولى “سينما جاكوب” بالجائزة الأولى للرواية في مسابقة رئيس الجمهورية عام 2012. وفي عام 2015، حصل على جائزة آسيا جبار للرواية التي تُعتبر أكبر جائزة للرواية في الجزائر، عن رواية “سييرا دي مويرتي”، وأبطالها من الشيوعيين الإسبان الذين خسروا الحرب الأهلية وسيقوا إلى معتقلات في شمال أفريقيا. عام 2016، شارك في “ندوة” الجائزة العالمية للرواية العربية (ورشة إبداع للكتّاب الشباب الموهوبين). فازت روايته “الدوائر والأبواب” في جائزة سعاد الصباح للرواية 2017. فاز بجائزة كتارا للرواية غير المنشورة 2017 عن عمله “سفر أعمال المنسيين”.
وبعد ترشيحه للقائمة القصيرة، قال عبد الوهاب عيساوي، في حوار مع الجائزة العالمية للرواية العربية: “الرواية التاريخية بشكل عام لا تعيد بناء الحكاية من أجل الحكاية ذاتها، وإنّما هدفها الأساسي هو البحث عن الأسئلة الراهنة التي نعيشها اليوم داخل فضاءاتها الأولى التي ظهرت فيها أولاً”.
” اندبندنت”