لا تستخفّوا بعقولنا ؛؛؛- د.عصمت حوسو – الأردن
لا أجمل من كلام الله تعالى استهلّ به هذا المقال:
” فاستخفّ قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين، فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين”.
هذه الآية تشرح لنا غضب الله عندما يطغى البشر، وإذا لم تكن “كورونا” مصنّعة في معامل الغرب كغيرها في إطار “الحرب البيولوجية”، فربما تكون عقاب الله للطغاة الذين عاثوا في الأرض فسادًا، فأغرقهم جميعًا بحمّى الكورونا ورذاذها، فهل من متّعظ؟! والأيام ستكشف لنا المستور ولو بعد حين..
كان اللّعب سابقًا مستور من تحت لتحت، بالمخبّى يعني، فلم يشعر المواطن المثقّف قبل البسيط بالاستخفاف ( الصارخ) الذي يحدث اليوم كما يشعر به الأطفال الآن قبل الكبار ، كيف لا والاستخفاف في العقول واللّعب في مصالح الشعوب واستقرارهم بات عالمكشوف في الساحة (المحلية) وفي “سوق الخردة العربية” وهو الطاغي حاليًا للأسف الشديد، وحتى الجائحة الصحية المدعوّة بِ”الكورونا”، تمّ استغلالها بطريقة بشعة والخاسر الأكبر كالعادة هو المواطن البسيط فقط،، ويا للعار..
ليس من المعقول ولا حتى من المقبول ونحن في عصر الثورة الصناعية الرابعة (الثورة الرقمية)، وعصر الانفتاح الثقافي، والانبطاح الافتراضي، وسرعة انتشار المعلومة، ويُمارس علينا اليوم تمرير “الأجندات” بتلك الطرق السخيفة ذاتها التي لا تنطلي على أي كائن آخر قبل أن تنطلي على البني آدم نفسه، فاحترموا عقولنا يا سادة، فنحن نفكر ونستشعر ونفهم ما يدور حولنا، وأسوأ ما يمكن أن يشعره الإنسان الاستخفاف به وبعقله وبفهمه، مش لهالدرجة الاستخفاف، هلكتونا..
في العصر ( الترامبي)، وجنون الأحداث العالمية والعربية وتسارعها، لا نستبعد أبدًا انتقال “الهيستيريا” الترامبية لنا أيضًا؛ فربما عدوى سلوك (جنون العظمة) هي السبب في الاستخفاف في الشعوب العربية.
هل تذكرون الدراسة التي قام بها مجموعة كبيرة من أشهر الأطباء النفسيين عندما تولّى الرئيس الأمريكي الأخير زمام حكم العالم قبل حكم بلاده؟؟ هل تذكرون نتائج تلك الدراسة التي انتشرت في كتاب بعنوان ” دونالد ترامب وتشخيصه الخطير” كان الأكثر مبيعًا آنذاك؟؟
هل تذكرون أيضًا كتاب “المعتوه” الذي ألّفته (أوماروسا نيومان) المساعدة السابقة في البيت الأبيض؟؟
الهدف من تذكيركم هنا هو معرفة سيكولوجية من يحكم العالم ويحكمنا الآن، ورغم ذلك لا يجرؤ الاستخفاف بشعبه كما يستخفّ في ذهنيتنا العربية. فهل انتقلت تلك العدوى للأوطان العربية بهذا السفور وفقًا لمقولة ابن خلدون ” إن المغلوب مولعٌ باقتداء ثقافة الغالب” ؟؟ لأنه هو يستخفّ في العروبة والأخيرة تستخفّ بشعوبها، وكاسك يا وطن…
الاستخفاف بالآخرين هو استعلاء، وهو حقيقًة لا مجازًا (عاهة نفسية) تتلبّس مرضى “الزعامة” والسلطة، وتولّد لديهم ( ذات خيالية)، تتشابه في أعراضها مع ذلك المُصاب بالهلاوس السمعية والبصرية وعقدة ” الفوقية”، حيث تقود الأخيرة الشخص للشعور بداء ” العظمة” إلى الحدّ الذي يرى جميع من حوله ( أقزام)، أما الحقيقة “العارية” فهي لا تتعدّى فكر المجانين الذين يظنون أنّ إنجازاتهم العظيمة (المزعومة) تمنحهم الحقّ في احتقار من هم دونهم -سلطةً لا شأنًا-، والاستخفاف بهم، اعتقادًا منهم أنها (وجاهة) ولكنها في جوهرها ( بجاحة) وربما أكثر، وفعليًا فإن كل ما صنعه هؤلاء المستخفّون لا يتعدّى حدود السراب، وهؤلاء ذاتهم باتوا يستخفّون بعقولنا جميعًا وعلى عينك يا تاجر..
طمس الحقائق وتلوينها واستغلالها حسب المصالح هو ليس فقط استخفاف بالعقل العربي، وإنما هو جريمة بحق “الجين البشري” كلّه، ونحن وإن اعتدنا على انتهاك حقوقنا، وتنفيض جيوبنا، وتشويه ماضينا، وتزوير تاريخنا، لكننا لن نقبل على الإطلاق زيادة جرعة الاستخفاف لدرجة تزوير الواقع الذي نحياه، ونسمع ضوضائه يعزف على مسامعنا لحنٌ نشاز على أوتار مهترئة، ورغم كل ذلك لم نُصاب بالطرش بعد، ولم نُصاب بالعمى أيضًا، ونحن نسمع ونبصر تمامًا كيف تُدار الأمور وتُجيّر الأحداث حسب المصالح، وساكتين كرمال عيون الوطن، لكن أن تطلبوا منا الإصابة ( بالتخلّف العقلي) قسرًا، فهذا خارج عن قدراتنا وبالعامية كتييرر هيك، بمعنى أن جلّ ما نطلبه في الحدّ الأدنى في الواقع المرير الذي نعيشه جميعًا اليوم هو مخاطبة عقولنا بحجج منطقية عند أي قرار
يُذهب العقل من هوله، أليس هذا من حقّنا يا كرام؟؟
فإنّ ما يجري الآن من أحداث محلية وعربية وعالمية “مذهلة” حدّ الدهشة يجعلنا نصرخ بأعلى صوت إكرامًا لعقولنا ونقول مش لهالدرجة الاستخفاف !!
خاطبوا عقولنا يا جماعة، نحن ما زلنا شعبٌ واعٍ ، وما زلنا نفكر ونستوعب على فكرة، وليس الجميع يمشي على نهج ثقافة القطيع ..
ونضيف هنا أيضًا ليس كل الشعب مُصاب بسطحية التفكير وضحالته، ولا تنطلي تلك السذاجة على الكلّ كما لا يُجيد الجميع سرعة الاقتناع؛ فلا تخاطبونا وكأننا شعوب العصر الحجري، فلا تجعلوا من حججكم وتبريراتكم وتصريحاتكم هزيلة وتتميّز بالشطط، حتى لو صدقوكم ذوي العلم والشهادات قبل ذوي الفقر والبسطات؛ فلن تلقى طروحاتكم وقراراتكم رواجًا طالما تستخفّون بعقولنا، أو في العقول الواعية في أقلّ تقدير، كفاكم وكفانا خيبة.
لا أدري من أقنع الغرب أننا سُذّج لهذا الحدّ حتى يلبسنا نحن العرب ثوب الغفلة والعباطة..
تذكروا جيدًا أنّ الأحداث “الساخنة” جدًا والموجعة في ذات الوقت لا يمكن أن تندثر وتنطوي في عالم النسيان في العقل العربي، واعلموا كذلك أنّ الذي يصرّ على هذا الاستخفاف سيُصعب عليه مجانبة الصواب، وسيشرب من وحل الخطأ بالمغراف..
وفي الختام أقول للجميع ليس هكذا يورد (الإصلاح)، الذي كنا جميعًا نتمنّاه ونطالب به وننتظره بفارغ الصبر، ولكن عند استغلال الأزمات لتصنيع المزيد من الخيبات لن تقود إلاّ إلى الثورات، فالوضع أمسى لا يُحتمل، ومن المفروض أن تكون هذه الأزمة فرصة لزيادة (الإنسانية) التي تلاشت، لا استغلالها لمصالح “تجار الأزمات” الذين تكاثروا على أشلاء المواطنين البسطاء والشرفاء على حدٍ سواء..
ولقصة الاستخفاف وطالما استمرّت سيبقى لنا حديثٌ آخر وبقية، وسيبقى قلمنا نابضًا بصوت الحقّ وآهات الناس، فلا تستخفّوا بعقولنا رجاءً…دمتم….
دة.عصمت حوسو