آراء متباينة حول «ريميديسفير» كعلاج محتمل لـ«كوفيد ـ 19»
العالم الآن – على غرار الدراسات التي أجريت على دواء الملاريا «هيدروكسي كلوروكوين»، حيث ظهرت نتائج متضاربة بين إثبات فاعليته في علاج بعض حالات مرضى «كورونا» المستجد، وعدم إثبات فاعليته في حالات أخرى، فإن المشهد نفسه يتكرر مع دواء «ريميديسفير»، الذي أعلنت الحكومة اليابانية الثلاثاء الماضي اعتماده كعلاج للفيروس.
وأعطى الاعتماد الياباني زخما لهذا الدواء، الذي لا يزال خبراء يروه رغم هذه الشهادة «علاجا محتملا» لا يرتقي ليكون «الرصاصة السحرية» التي ستقتل هذا الفيروس الذي حير العالم منذ ظهوره قبل خمسة أشهر.
ودواء «ريميديسفير»، تم تطويره في الأصل كعلاج للإيبولا، وتم استخدامه في حالات الطوارئ خلال هذا الوباء الذي بدأ في عام 2018، لكن مسؤولي الصحة في الكونغو الديمقراطية التي شهدت ظهور الوباء قرروا في أغسطس (آب) 2019، التوقف عن استخدامه، بسبب ما أعلنوه وقتها أنه «غير فعال»، مقارنة بعلاجات الأجسام المضادة وحيدة النسيلة مثل (mAb114) .
وجاء فيروس «كوفيد – 19» لينعش آمال شركة «جلياد» منتجه هذا الدواء في تسويقه، حيث دعمت الشركة تجارب سريرية لاستخدامه في علاج «كوفيد – 19»، لتظهر هذه الدراسات نتائج متباينة حول فاعليته. واستند الاعتماد الياباني للدواء كعلاج لفيروس «كوفيد – 19» على نتائج تجارب سريرية مشتركة متعدد الجنسيات شاركت فيها اليابان منذ مارس (آذار) الماضي، بحسب ما قاله يوشيايد سوجا، رئيس مجلس الوزراء الياباني للصحافيين قبل عدة أيام.
وباتت الولايات المتحدة هي الأخرى قريبة من اعتماد الدواء ذاته بعد أن أعلنت المعاهد الوطنية للصحة بأميركا أول من أمس على موقعها الإلكتروني نتائج أبحاث تجربة عشوائية بدأت في 21 فبراير (شباط) الماضي، وشملت 1063 مريضا.
وأشارت النتائج إلى أن المرضى الذين تلقوا «ريميديسفير»، كان لديهم وقت أسرع للشفاء بنسبة 31 في المائة من أولئك الذين تلقوا علاجا وهميا، وعلى وجه التحديد، كان متوسط الوقت للشفاء 11 يوماً للمرضى الذين عولجوا بعلاج ريميديسفير مقارنة بـ 15 يوماً لأولئك الذين تلقوا العلاج الوهمي. وأظهرت النتائج أيضا فائدة تتعلق بـ(البقاء على قيد الحياة)، حيث كان معدل الوفيات قدره 8 في المائة للمجموعة التي تلقت ريميديسفير، مقابل 11.6 في المائة لمجموعة الدواء الوهمي.
وعلى النقيض من هذه الدراسة الأميركية، أظهرت دراسة صينية نشرتها دورية «ذا لانسيت» أول من أمس، وأجريت خلالها تجارب سريرية على 237 مريضاً خلال الفترة من 6 فبراير (شباط) حتى 12 مارس (آذار) الماضي، أنه لم يكن هناك أي فوائد سريرية للدواء بالنسبة للحالات التي كانت تعاني من أعراض شديدة، بينما كان هناك انخفاض في وقت العلاج بالنسبة للمرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة.
وأشارت الدراسة إلى أن حدوث التحسن في الحالات ذات الأعراض الخفيفة يحتاج إلى تجارب سريرية أكبر للتأكد من أن هذا التحسن له علاقة بعلاج «ريميديسفير». ما نوهت إليه الدراسة الصينية يكشف عن مشكلة تتعلق بكل التجارب السريرية التي يتم الإعلان عن نتائجها، والمتعلقة باستخدام أدوية متاحة في علاج (كوفيد – 19). وتمثل هذه التجارب مرحلة من مراحل التجارب السريرية، والتي لا يمكن البناء عليها لإقرار فاعلية دواء، وإن كانت مفيدة في إدخاله ضمن بروتوكول العلاج، دون التعويل عليه وحده.
ويقول الدكتور محمد الحديدي، أستاذ الميكروبيولوجي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا لـ«الشرق الأوسط»: «التجارب السريرية تمر بأربع مراحل تبدأ بعدد قليل جداً في المرحلة الأولى، وصولا للمرحلة الرابعة التي قد يصل فيها العدد لـ100 ألف، ولكن لأن هذه الأدوية سبق وتم اعتمادها لأغراض أخرى، ويسمح باستخدام هذه الأدوية ضمن بروتوكولات العلاج، بعد تجارب أولية تتأكد من عدم وجود أضرار جانبية خطيرة بسبب استخدامها مع الفيروس الجديد، ولكن حتى يمكن إصدار حكم علمي دقيق على هذه الأدوية يحتاج الأمر للمرور بالمراحل الأربعة من التجارب السريرية». ويشير الحديدي إلى أن التجارب السريرية الموسعة التي تشمل حالات بدرجات متفاوتة من شدة الأعراض هي التي ستحدد العلاقة بين تناول الدواء ومعدلات الشفاء، إذ قد يكون الشفاء بسبب كفاءة جهاز المناعة للمريض نفسه، وليس بسبب الدواء. ويضيف «دعونا نتذكر دائما، أننا نتحدث عن مرض أعلنت منظمة الصحة العالمية أن 80 في المائة من المصابين به يشفون دون علاج».
وإلى أن تجرى التجارب الموسعة يظل «ريميديسفير» مجرد دواء محتمل لعلاج «كوفيد – 19»، حيث تؤكد منظمة الصحة العالمية على أنه لا يوجد حتى الآن دواء معتمد للفيروس.
ويقول الدكتور أمجد الخولي، استشاري الوبائيات بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية لـ«الشرق الأوسط»: «الكثير من الأدوية لا تزال تحت التجريب، ولم نصل بعد إلى نتائج نهائية ولم تعتمد المنظمة بعد أي دواء». ويشدد الخولي على أهمية عدم التسرع في الحكم على أي دواء قبل إجراء تجارب سريرية تستخدم عينة كبيرة وليست محدودة، حتى لا نحصل على نتائج مضللة.
” الشرق الاوسط”