جريمة كورونية بحقّ الشرف ؛؛؛- د.عصمت حوسو – الأردن

0 234

 

العالم الآن – طفلة في عمر الورد، لم تبلغ بعد حتى نصف العقد الثاني من عمرها، فتجاوزت العقد الأول ببضع سنوات فقط، أصابها الفضول كغيرها من بنات جنسها وجيلها للولوج في العالم الافتراضي، ربما تستطيع تحقيق أحلامها المبتورة في الواقع هناك في الواقع الافتراضي، ولكنها دفعت ثمن فضولها الطفولي حياتها كلها، فقتلها أخوها بعد أن ثارت عليه ذكورته غضبًا، وفار دمه غيرةً على عرضه وشرفه، فقتلها..

قتلها بدمٍ بارد، أبرد مما يحمله في جمجمته، لا لشيء سوى حلم جميل رافق رغبة الفضول التي سيطرت عليها كأيّ فتاة في عمرها، فلم تكن تلك الوردة التي ذبُلت قبل أوانها تمتلك هاتفًا ذكيًا، فاستخدمت هاتف أخيها (الذكر) ليكتشف شناعة ما صنعته أيديها بإنشاء حساب في العالم الأزرق، فكانت جريمتها أشنع من جريمة قتلها ذاتها عند بعض الوحوش من الذكور، أما الجريمة الأشنع على الإطلاق كانت ذلك الدعم الذي لقاه أخيها ممن هم على شاكلته، فعجّت صفحاتهم الزرقاء بتعليقات أكثر شناعة من فعلة أخيها، ويا لعار شرفكم القبيح المجتزأ، فما يحقّ لكم لا يحقّ لهنّ، فسلوك هؤلاء هو (اللاّشرف) بعينه..

قتلها وحوّل عالمها الأزرق إلى عالم أحمر ينزف وجعًا وألمًا لا دمًا فقط، وغادرت روحها إلى بارئها، تاركة وراءها جسدها الطاهر لأخيها حتى يُصفّق له باقي مجتمعه فخرًا بغسله عار أخته التي تمثّل شرفه وشرف كل عائلتها ذكورًا وإناثًا، فاستحقّت الموت حتى قبل أن تبدأ حياتها..

فهل قتلها أم ربما رحمها؟! فلو أنّ تلك الفتاة عاشت أكثر لشعرت في الموت وهي على قيد الحياة في كل لحظة من لحظات حياتها؛ لأنها كانت تعيش في كنف بيئة أخرجت هذا القاتل، لربما قد رحمها بقتلها حتى لا تموت كل يوم، فالموت مرة واحدة أرحم بكثير من الموت أكثر من مرة لطفلة تعيش في هكذا بيئة..

أليس الأجدى لو نعلّم أبناءنا الذكور أن الشرف يكمن في الصدق، الصدق مع النفس ومع الآخرين أمام الله؟ أليس من المفروض تعليمهم الشرف الذي يدافع لأجله عن وطنه وكأنه يدافع عن عرضه؟ أليس تقزيم الشرف واختزاله في سلوك نساء عائلته يعفيه من محاسبة نفسه عندما يخطئ؟! أليس من المفروض لو وجّه ذلك القاتل شرّه للكورونا واكتشاف علاج لعدوّه وعدوّ كوكب الأرض كله؟
وهل هذا الأخ ملاك طاهر يحقّ له ما لا يحقّ لأخته؟ أم أنّ الشرف حكر على بنات عائلته أما شرف صديقاته في العالم الأزرق مُستباح؟!
كم ذكر يخاطب أخته أو زوجته أو حبيبته أو ابنته بجملة معلوكة مستهلكة (أنا غير)، وكل الذكور وحوش ووحده المتحدّث هو الحمل الوديع، إذًا أين هم الوحوش البشرية الذين نسمع عن جرائمهم عندما يتقيّأ كل ذكر بالجملة ذاتها للمرأة التي تخصّه؟؟!!

كثيرة هي التساؤلات بعد هذه الجريمة الكورونية البشعة ونحن جميعًا لا نضمن حياتنا اليوم أمام عدوّ شرس لا يُرى في العين المجرّدة وهزم أعتى جيوش الأرض وأغنى الدول وأعظمها..

جريمة شرف جديدة تُضاف إلى سابقاتها الكثيرة جدًا،
كيف لا وهذا هو الحال عندما يتحالف مكر الخبثاء مع رعونة الجهلاء في ظل صمت الحكماء والرؤساء، ويصفّق لها الدهماء، فحتمًا ستضيع حقوق النساء، وسيُقتل الأبرياء.
أولئك الوحوش البشرية الذين لم يردعهم ما ورد على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام قدوة رجال الأمّة حين قال: (النساء شقائق الرجال). ولم تردعهم الآية الكريمة في كتاب الله عندما قال: “وإذا الموؤدة سُئلت، بأيّ ذنبٍ قُتلت”..

فبأيّ ذنبٍ قُتلت تلك الفتاة اليانعة، التي لم تفرح بعد بملابس العيد، فارقدي بسلام يا ابنتي فعيدك بالجنة أجمل، ونامي بهدوء يا صغيرتي فأنتِ في حضن من هو أرحم بكِ من هذا المجتمع الظالم، فأنتِ الملاك لا هم، وروحك ثمن شرفهم المسلوب وأسهل عليهم من تحرير فلسطين، ارتاحي يا طفلتي ودعيهم يصفّقون على لحن شرفهم النشاز، ذلك المعزوف على أوتار الأخلاق المهترئة.. في رحمة الله يا من تملكين الشرف كله..

على الرغم من أنني أرجأت الكتابة إلى ما بعد هذا الشهر الفضيل، إلاّ أنّ هذه الجريمة النكراء استفزّت قلمي لرثاء تلك الطفلة البريئة، وهجاء قاتليها فهم كُثُر..
ويبقى قلمنا نابضًا بالحقّ والحقيقة طالما القلب نابضًا بدقات الحياة….دمتم….
دة. عصمت حوسو

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد