قداس الأحد وصكوك الإعتراف الكاتب: صالح العجلوني
العالم الآن – وحّدنا فايروس أَوَ يفرقنا إنسان؟؟؟ تأملت وتألمت لما حدث في قداس الأحد الأول بعد رفع الحظر عن ممارسة الشعائر الدينية، وساءنا تلك السلوكات الغريبة التي لا تمت لديننا أو لعاداتنا وتقاليدنا أو لعلاقات حسن الجوار مع شركائنا في التاريخ والديار أخوة التراب وزينة الأصحاب مسيحيي الأردن .
ولقد وقفت مدهوشًا دهشة المستنكر والمستفهم، لا دهشة الجمال والإعجاب ومبعث تلك الدهشة وذلك الاستنكار؛ هو ذلك الفصام الفكري عند البعض؛ فقد كنا قبل عدة أيام نتباكى على تلك الجريمة العنصرية القائمة على أساس اللون والتي أودت بحياة جورج فلويد وهزت كيان العالم بأسره، وكم هو جميل ذلك التعاطف مع تلك القضية، وكم هو قبيح هذا التناقض؛ في أن يقوم بعض عشاق الظهور بارتكاب جريمة عنصرية مشابهة ولكن على أساس الدين هذه المرة ولعبوا فيها دور ذلك النكرة الذي أودى بحياة جورج فلويد، ولا أدري هل مازالت قاعدة الجاحظ التي تقول:”المغلوب مولع بتقليد الغالب” سارية المفعول أم لا ؟؟؟
ولقد جاء في الحديث الذي رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُبْصِرُ أحَدُكُمُ الْقَذَاةَ في عَيْنِ أخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنهِ».(صححه الألباني)
ولعمر الحق (تلك إذًا قسمة ضيزى)
أن ننهى عن خلق ونأتي بمثله أو أبشع .
لقد شاهدت العديد من الرسائل والردود عليها وبصراحة كانت الإساءة سيدة الموقف وكانت باعثة على الإشمئزاز .
وهنا أسجل عتبي الكبير على المحطة التي كانت تبث ذلك القداس؛ لماذا لم توقف على الفور تلك التعليقات، وعدم السماح ببثها؟؟ وأطرح هنا سؤالًا غير بريء؛ هل كانت الرؤيا غير واضحة عند محطة تتسمى برؤيا؟؟؟ ألم يشاهد القائمون على بث ذلك القداس تلك النوعية من الرسائل؟؟ ألا يعلموا أنها تشكل إساءة كبرى للجميع وليس للمسيحيين وحدهم؟؟
ولماذا سمحوا باستمرار هذه المهزلة على شاشتهم؟؟؟
ولا أدري لماذا خطر ببالي الآن جماعة (مؤمنون بلا حدود) وكيف كان ذلك الاسكتش التمثيلي الركيك الذي قاموا به للحصول على التعاطف، عندما أقدموا على فبركة اعتداء على كبيرهم الذي أودى به المكر، وأنا هنا لا أوجه هذا التشبيه للإخوة المسيحيين؛ ولكني أقوم بترجمة بعض الأفكار التي تدور في خلد شريحة من المتابعين للحدث، مسجلًا هنا عتبًا كبيرًا وإدانة أكبر على القائمين على ذلك البث؛ فالذي يسمح أن تمر الإساءة عبر شاشته له كفل من الوزر.
وننادي هنا بضرورة عدم ببث الرسائل على الشاشات إلا بعد إرفاق بطاقة الهوية الصادرة من دائرة الاحوال المدنية والتأكد من هوية الشخص المرسل وخاصة عندما يكون هناك احتمالية لوجود رسائل مشبوهة أو عند بث المواضيع الحساسة. وأما بالنسبة للمشاهدين المسلمين الذين قرروا فجأةً أن يتحولوا إلى دعاة إلكترونيين عن بعد دون أن يخولهم أحد، ودون أن يمتلكوا أدوات الدعوة ومهارات الدعاة، أقول لهم: أمَا قرأتم الحديث الذي يرويه عبدالله بن عباس رضي الله عنه والذي يقول فيه: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَخَوَّلُنا بالمَوْعِظَةِ في الأيَّامِ، كَراهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنا.” تخيلوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخشى أن يمل الصحابة من حديثه؛ فكان يتخير الأوقات لإرشادهم وتعليمهم أمور دينهم، وهم صحابته الذين يحبونه ويجلسون في حضرته عليه السلام وكأن على رؤوسهم الطير، ومع ذلك كان يخشى أن يتسلل الملل إلى نفوسهم، فماذا تقولون بمن يقتحم على المسيحيين قداسهم ليبدي رأيه بعقيدتهم وديانتهم وطقوسهم؟؟ هل هذا من المنطق في شيء؟؟ بل هل هذا من التأسي بسنة حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟؟ وهل يعد هذا من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؟؟
إن لم يعجبك القداس فدونك جهاز التحكم (الريموت) إضغط على إي زر به واذهب إلى حيث تحب فالقنوات متعددة ومتنوعة وستجد بغيتك هناك؛ فاخرج ولا تتابع ذلك القداس فهو غير موجه لك؛ إذ هناك العاجز والمريض والكبير في السن والطفل وغيرهم ممن يشكل له هذا القداس حدثًا عظيمًا ينتظرونه بفارغ الصبر؛ فأمط نفسك عن طريق الناس ولا تمتهن القرصنة الفكرية أو تستعرض مخزونك من الإساءة اللفظية؛ فليس المؤمن بالطعان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء هكذا علمنا محمد نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
واعلم يا هذا أن المسيحيين لا ينتظرو صكوك الإعتراف منك بهم وبأحقيتهم في الوجود وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية؛ فالذي أوجدهم في هذه الحياة وفي هذه الديار هو الله جل جلاله ولا ينتظرون منك توقيع إقرار على ذلك؛ فامرر مرور الكرام وافسح الطريق للأنام، واعلم أن درب السماء مهيأة لمن يريد؛ فدع الخلق للخالق .
ونسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد من كل شر مراد، ودام الود يجمعنا.