جولةٌ بالتاريخِ لما بعد قرار ضمّ الأراضي الفلسطينية- بقلم مراد الزير.
العالم الآن – يتداول حالياً بالشارع الفلسطيني مناقشات حول قرار الضمّ، والتي سارعت الصحف المحلية والإسرائيلية حول نيّة قبول ورفض الشارع الفلسطيني والإسرائيلي للقرار، على أن هناك القليل من الجهلة ما يبدون آراءهم المتمثلة بالقبول وخصوصاً بالشارع الفلسطيني والذين كشفت عنهم التقارير الصحفية في القنوات الإسرائيلية، فالشعب الفلسطيني تحت منعطفٍ سياسي بمواجهة قرار الضمّ، والذي يظنه البعض بأنه سيدرّ لهم الفوائد الجمّة وهم القلّة الجاهلة في الوسط الفلسطيني الذين يفتقرون للوعي الذي أفرزته سياسات التجهيل والتبعية، ومن هنا تبدأ المشكلة: ماذا سيحدث ما بعد قرار الضمّ؟!
سيعيد التاريخُ نفسه لا أقل من ذلك، فالضمّ شبيهٌ بشرعية قرار التقسيم في عام 1947، بينما اليوم سيكون ذلك من خلال شرعية امتلاكها بحجة شراء الأراضي أو امتلاكها بنصوصٍ قانونية كإهمال الأرض أو قانون أملاك الغائبين والذي سنّه الكنيست الإسرائيلي على الأراضي التي تعود لمالكين غائبين ضمن فترة زمنية قانونية، وبشرعية امتلاك الأراضي التي سيتم ضمّها، فإنّه لا يمكن للجماهير الفلسطينية الوقوف ضد القرار؛ كونه شرعي، فأين المشكلة إذاً؟! في الحقيقة سيكون حال من يندرجوا تحت الضمّ كالذين استقرّوا داخل الحدود في عام 1948 حينها استقرّ هناك ما يقارب مئة ألف فلسطيني أي ما نسبته (15%) من التعداد السكاني؛ لكنّهم فقدوا الكثير من رابطهم القومي وصلتهم بفلسطين، وعاشوا في مدنٍ مختلطة، وهذا حال الضمّ في اللحظات الأولى، على أنه سيتم منحهم الجنسية الإسرائيلية من الدرجة الثانية والتي تشبه بطاقات الإدارة المدنية قبل اتفاقية أوسلو، أو سيكونوا أقلية مهمشة، مؤديةً بذلك لتجريد الفلسطينيين من الهوية العربية.
بعد قرار الضمّ سيتم تحويل فلسطين لنظامٍ فيدرالي، فالمدن الخارجة من قرار الضمّ كنابلس ورام الله وبيت لحم والخليل ستكون عبارة عن أنظمة فيدرالية منفصلة لها نظام سياسي، بالإضافة لنظام كونفيدرالي مع الأردن؛ كون فلسطين لا تمتلك لأيّة مقومات، لهذا ستكون تابعة للأردن، وهذا يرجعنا لما بعد حرب 1948 حينما تولت الأردن مهام إدارة الضفة الغربية بين عامي 1948-1967 مع خضوع تلك المناطق للاحتلال الإسرائيلي، وهذا النظام الكونفيدرالي سيكون لفترةٍ من الزمن، ومن ثم سيزول الدور الأردني بعد حينٍ، حيث ستبدأ إسرائيل حالياً بوضع الأسلاك الشائكة على المناطق التي سيتم ضمّها، ومن بعدها ستقوم بوضع الجدار أمّا أنها ستنتظر الأموال المخصصة من صفقة القرن لبناء الجدار أم أنها ستتم تمويلها ذاتياً، ومن بعدها سيتم تضيق الأمور على الأراضي الفلسطينية داخل إسرائيل والتي لا تمتلكها، بقوانين صارمة؛ كونها أصبحت خاضعة لقانون الكنيست، مما سيجعل الأمرُ جحيماً، فلا يمكن بناء منزل دون ترخيص، كما وسيتم إرهاق الفلسطينيين بالضرائب، والكثير من الممنوعات، بالإضافة لقوانينٍ كلاسيكية كقانون أملاك الغائبين نتيجة ابتعاد المالك عن الأرض، فالشعب في الوقت الحالي قد انهارت منظومته نتيجة الهيمنة الرأسمالية، حيث أصبح الشعب عالةً على الآخر، فلهذا لن يكون هناك فلاحة أو اهتمام بالأرض في ظلّ وجود فرص عمل كثيرة في إسرائيل، وستمرّ السنوات وستضيع الأراضي قانونياً، والحقيقة لن يكون هناك أي ردود، وسأنفي بأنه لن يتكرر ما حدث في 30 آذار من عام 1976 حينما نظمّ الفلسطينيون احتجاجاً لتعرّضهم لتهويد بلداتهم والاستيلاء على أراضيهم، فهل سيتكرر ذلك مثلاً بعد الضمّ؟ بالفعل لا.
بعد فترةٍ من الضمّ سيكون العرب في إسرائيل عقبةً للنظام الديموغرافي اليهودي، وبهذا سيلجأ الإسرائيليون بفرض الفاجعة المتمثلة بتشكيل الدولة اليهودية، مما سيتم طرد جميع العرب داخل إسرائيل وستبقى إسرائيل تحتضن اليهود فقط أي ستكون عملية تطهير عرقي، مع الإبقاء على بعض الأقليات الوالية لليهود كالطائفة الدرزية مثلاً، وهذا سيكون بعد فترةٍ من الزمن ربما ستمتد لعشرين أو ثلاثين سنة، ومن بعد ذلك سيكون هناك مرجعية توراتية قديمة حول عاصمة القدس الكبرى والتي تمتد من نابلس للقدس ولبيت لحم والخليل، وهنا ستبدأ إسرائيل بفرض قوة الهيمنة على كل نظام فيدرالي أي على كل مدينة، حتى يتحقق المبتغى التوراتي، وسيكون ذلك بحجة افتراضات وردود انتقامية، وللتذكير بأنه بعد حرب عام 1967 قد شعر الإسرائيليون بالتفوق القومي؛ كونهم قاموا بضمّ القدس الشرقية في ظل الرفض الدولي، وبررت إسرائيل بأن احتلال الضفة والقطاع سيكون مؤقتاً، أهذا هو الاحتلال المؤقت؟! بالفعل لا، لأن ذلك أدى لبناء المستوطنات في أجزاءٍ كبيرة، والمستوطنات حسبما أذكر كانت العائق الأساسي لتحقيق السلام من وجه نظر الولايات المتحدة الأمريكية، فهل حلّ العائق يكون بإضفاء شرعيتها؟! فالمستوطنات بقرار الضمّ أصبحت شرعية! وسيكون التدخل الإسرائيلي على المدن الفلسطينية بالمستقبلِ جنونياً، حيث أنه دائماً ما يكون الرد الإسرائيلي مبالغاً فيه، وذلك لأنها تعتبر حقوقها واسعة النطاق مثلها مثل الولايات المتحدة الأمريكية ويجب الدفاع عن حقوقها وأخذها بقوة الهيمنة، وسيكون هناك استخدام للوسائل القانونية الطوباوية مع تجاهل تأثير عامل القوة للفلسطينيين، وستخرج التصريحات الإسرائيلية بأنها تظهر للعالم وكأنه لا شيء قد حصل!
بخصوص النظام الفيدرالي الذي سيتم تشكيله بفعل الأمر الواقع، سيكون له عواقب كثيرة، حيث سيتم تطويق المدن بالجدار وستتحول لنظام الغيتو، ومن أبرز هذه المدن مدينة بيت لحم التي تحولت لنظام الغيتو قبل قرار الضمّ أساساً، وحينها ستكون كل مدينة لها نظامها السياسي ضمن دستور موحد، رغم أن هذا سيؤدي لولادة ثقافة الانشقاق من جديد، ولن يكون هناك ديمقراطية في أيّة منظمة أو أيّ تشكيل، وبسبب الانفصال الجغرافي بين المدن سيكون من الصعب السيطرة على جميع المدن، وهذا ما حدث للسلطة الفلسطينية، حيث تعتبر أكبر المشاكل التي واجهتها في بداياتها هي الانفصال الجغرافي بين الضفة وقطاع غزة، فالضمّ هكذا، وسيكون النظام الفيدرالي وسيلةً لتفكيك الدولة بحيث لا يمكن أن تكون قابلةً للعيش، وسيعتقد البعض بأنه في النظام الفيدرالي ستتحول المدن إلى الرقيّ الحضاري، وأنها ستكون لها مكانة سياحية وعالمية، وهذا مناف للواقع التاريخي، حيث أتذكّر “Tomas Freidman” حينما أشار بصحيفة تايمز بأنه حينما انسحبت إسرائيل من غزة علّق بأن الفلسطينيين سيحولنها لدبي جديدة! والحقيقة لن تكون حال المدن هكذا حين الانسحاب، فلن تكون هناك إمارة دبي في فلسطين! فقط ستكون غزّة الحالية، ورغم تشكيل الفيدراليات إلا أن إسرائيل ستبقى مُسيطرة على نقاط العبور والساحل والحدود، أي أن صلاحية النظام الفيدرالي محدودة جداً مثل دور السلطة الفلسطينية جراء اتفاقية أوسلو.
بعد كلّ هذا، هل سيكون هناك رد من السلطة الفلسطينية؟ بالفعل سيكون؛ لكن لن يُسمع، وهذا يُرجعنا بالتاريخ إلى كانون الثاني من عام 1976 حينما رفضت إسرائيل أيّة مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية حتى وأن اعترفت بإسرائيل ونبذت الإرهاب، وهذا ما سيتكرر حالياً بأن إسرائيل سترفض أيّة مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين، ففي السابق كانت تحظى المنظمة بدعم الجماهير، وحالياً تحظى الدولة بذلك وخصوصاً بعد التشكيل الوزاري الجديد، إلا أنه في ظروف جائحة الكورونا تغيرت المعطيات بعض الشيء إلا أنه سيكون هناك دور، حتى وإنْ كان هناك تنازل من قِبل الفلسطينيين فلن يفلح الأمر إطلاقاً، وبالسابق حينما اعترف ياسر عرفات في شهر نيسان وصولاً لشهر آيار من عام 1984 خلال تصريحاته بالاعتراف المتبادل، تلقى عرضه الرفض من قِبل إسرائيل، وتجاهلته الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الأمر سينطبق حالياً، ولن تهتم إسرائيل بأي ردود ومفاوضات فلسطينية، والحقيقة من بعد ذلك بأنه سيتم السيطرة على الأراضي بطرقٍ عدة، وسيشهد التاريخ عودة روابط القرى التي ساهمت بتسريب الأراضي الفلسطينية عبر السنوات الماضية، وأخيراً، فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيشهد حقبة جديدة، هي فلسطين ما بعد الضمّ، مثلما كانت فلسطين بعد النكبة، بعد النكسة، بعد الانتفاضة، بعد أوسلو، ستكون فلسطين ما بعد الضمّ.