بين العباءة الفارسية والأحضان الفرنسية لا ينبت الأرز – للكاتب صالح العجلوني
العالم الآن – شهر مضى على الدمار الذي حل ببيروت ومظاهرات الألم التي قام بها اللبنانيون ضد الفساد المستشري في البلاد والمستتر تحت قداسة الطائفية الزائفة، التي لم تثمر يومًا ما إلا موتًا ودمارًا وخرابًا وتشردًا.
إن تعد البنادق والخنادق والبوصلات لا يوصل البلاد إلا إلى الإنقسام والمجهول وهما وجهتان لا تخدمان مصلحة البلاد والعباد على الإطلاق ؛ فالممانعة المشبهوة وحرب الوكالات لم تعد على لبنان والمنطقة إلا بالدماء والدمار والخراب.
وعلى ما يبدو فإن رائحة الدمار والجثث المحترقة في بيروت قد حركت أشياء أخرى غير الدموع؛ فوصلت روائح ذلك الشواء إلى أنوفٍ يستهويها فوح الدم فتسارعت إلى حيث الجرح لتضمده؛ فهي لا تحب أكل النطيحة أو المتردية ولكن تريد ذلك الجسم الجميل متعافٍ لتحوزه وحدها بكل جماله.
اللبنانيون ونتيجةً لكفرهم بكل زعماء الطوائف، وجدوا أن رائحة العطر الفرنسي قد طغت على النتن الطائفي المقيت واعتبروا أن ماكرون هو المخلص لهم من ذلك النتن فهو حامل ذلك الضماد المعطر بالفوح الباريسي الندي ، فتسارع اللبنانيون نحو المنقذ ؛ يشكون له ظلم ذوي القربى الذين عاثوا في الديار خرابًا وفسادًا، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك حين طالب الآلاف بتوقيع عريضة تدعو إلى عودة الإنتداب الفرنسي إلى لبنان ، ولم يدر في خلدهم أن تلك الأشواك الطائفية قد تم زرع بذورها ورعاية جذورها وسن أشواكها من قبل آباء ماكرون وأجداده .
ولكن القراءة السطحية للمشهد تقول: إن فرنسا الأم الرؤوم تعود اليوم وكلها حنين لتمسح الدموع وتسكت الأنين وتُكَفِّرَ عن ذنوب السنين وتنهض بلبنان وتزيل عنه الظلم والطغيان .
إلا أنه لا يخفى على بصير ذلك التنوع والابداع الذي تنتهجه الدول الكبرى في ابتكار استراتيجيات جديدة للسيطرة وبسط النفوذ ؛ فإرسال الجنود بشكله المباشر يشكل استفزازًا واضحًا للدول وقد يتعرض للمقاومة ورفض من قبل المجتمع الدولي إضافة إلى الأعباء المالية والاجتماعية المترتبة عليه ؛ فانتهجت تلك الدول سياسية عطاءات الخراب التي تمنحها لمقاولي الموت والدمار، وقد شاهدنا بشاعة ذلك السيناريو من خلال تنظيم داعش لخدمات قطع الرؤوس وتدمير المتاحف وحرق البشر وجهاد النكاح وغيرها من مفردات الإجرام التي انتهجها صناع ذلك الفيلم المقيت والمكشوف.
ولقد آثرا ماكرون ابن الثقافة الفرنسية العريقة أن يستخدم استراتيجية فن الدخول عبر الفن ، ولا ننسى هنا أن المستعمر لا يفقد أبدًا خصاله التي تسكنه وجبل عليها ؛ فشهية السيطرة لا تفنى وانما تستحدث بآليات جديدة،
ولابد من التنويه هنا إلى حقيقة قد يغفل عنها البعض؛ ألا وهي: ان أحضان السياسة والسياسين لا تعطي حنانًا البَتَّةَ.
وأما أحضان ماكرون وأوسمته فقد أُحْسن توجيهها نحو رمزين كبيرين في الوجدان اللبناني والعربي ؛ السيدة فيروز والسيدة ماجدة الرومي وأظن أن ذلك الفعل قد وجد استحسانًا عند عدد ليس بقليل من محبي تلك الفنانتين، بينما تم قراءة ذلك المشهد عند الكثير وفقًا للسيرة والمسيرة المعروفة والتي تنتهجها القوى الكبرى لتحقيق أهدافها في السيطرة وبسط النفوذ ، وهنا نناشد اللبنانيين ونقول لهم:
لاتخرجوا من العباءة الفارسية؛ لترتموا في الأحضان الفرنسية
فكلا الخيارين لا يبنيان وطن ، والأرز لا ينبت في فارس ولا في باريس
وحمى الله لبنان وأهله.