طالبة بيرزيت والمستعمرين الصهاينة: ماذا لو؟- د. أيمي بيتاوي

0 749

العالم الآن – قبل الانتفاضة الاولى بشهر -في نهاية نوفمبر- كان طلاب بيرزيت يتقدمون للامتحانات النهائية لذلك الفصل. خرجت من قاعة الامتحانات في الحرم الجامعي الجديد الساعة الخامسة مساء وركبت الباص للذهاب للحرم القديم للقاء الاصدقاء. انطلق الباص بنا وكان شباك الباص مفتوح وهواء بيرزيت الشتوي البارد يلفح وجهي, شعرت بالبرد وبنفس الوقت بالانتعاش. توقف الباص عند دوار بيرزيت بجانب دكان سبيرو ونزل منه الطلاب الذين يسكنوا بالقرب من الدوار. قررت النزول والمشى من هناك للبيت لكي البس ملابس أكثر دفئا لان بيرزيت بارده جداً في الشتاء وخصوصاً في الليل. بالرغم من البرد الا انني شعرت بحاجتي للمشي بعد امتحان مادة دراسات ثقافية CS وساعتين من التفكر والتحليل والكتابة كان لا بد من الاستمتاع بقليل من الهواء الطلق.
عادة كنت انزل بالقرب من كافتيريا سونيا وامشى الى منزل د. ناصر حيث كنت اسكن انا وزميلتي كفاية عرمان في الطابق الثاني من بيتهم. في ذلك اليوم قررت ان امشي للبيت من طريق جفنا. (منزل الدكتور ناصر تصل له اما من شارع جفنا او من شارع الجامعة تحت كافتيريا سونيا وكنا نستخدم هذا الشارع دائما لقربه للجامعة ونادرا ما نستخدم شارع جفنا)
بما ان الشارع من دوار بيرزيت لبيت د. ناصر كان احد جانبية فيه بيوت وعمارات شعرت بالراحة للمشي سالكة ذلك الطريق. الساعة الخامسة مساء في يوم من ايام نوفمبر طبعا سيكون اشرف النهار على الانتهاء واقترب من العتمة حيث ان النهار اقصر في الشتاء، الا انه لا زال هناك متسع من الوقت للمشي والاستمتاع ببداية العتمة واضواء الشارع الجميل الهادي الذي جانبه الايمن مليء بالبيوت وجانبه الايسر سهول جميلة.
مشيت افكر بالامتحان “لو اني كتبت هيك كان احسن” “يا الله نسيت اكتب في تحليل السؤال الثالث …” بينما كنت غارقة في افكاري وكنت بين الحين والاخر اري اضواء للسيارات القادمة من بعيد وكانت الاضواء باهته يزداد نورها كلما اقتربت من خلفي او امامي اشعر بالارض يهتز من تحت قدمي والهواء يلفح وجهي من سرعة السيارات المارة.
عند اقترابي من المنزل شعرت بضوء بعيد لسيارة خلفي قادمة, اخذ نور السيارة يقترب وكنت انتظر ان تهتز الارض من تحت قدمي وان يلفح الهواء وجهي بمرور السيارة. لكن السيارة ابطئت، اعتقدت ان السيارة ستقف عند احد البيوت خلفي, شعرت بالضوء يقترب اكثر فلم اعير الموضوع اي اهتمام فلم التفت خلفي ولم اقف تابعت المشي. السيارة اقتربت كثيرًا مني لكن في الطرف الاخر من الشارع (من الجهة اليمنى وانا كنت امشي من الجهة اليسرى).
وللمره الثانية لم التفت ولم اقف. بعد ذلك سمعت اربع ابواب فتحت واغلقت ودوي خطوات تركض، التفت خلفي فإذا بأربع مستعمرين بطواقي ولِحىْ طويلة يركضون اتجاهي. اخذت بالصراخ و الجري بكل ما املك من قوة. الحمد لله اني كنت قد وصلت البيت. عائلة د. ناصر سمعوا صراخي فخرجوا للشرفة و اضاؤا انوار الحديقة. ولِحَظي السعيد ان الباب الحديدي الصغير جدا المطل على شارع جفنا والذي يكون مغلق في هذا الوقت و خاصة اننا الطالبات كنا نستخدم باب جانبي عند نزولنا من شارع كافتيريا سونيا, الا ان د. ناصر ترك الباب مفتوح بسبب الامتحانات و يعلم اننا ممكن ان نستخدم هذا الباب في هذه الايام. دفعت الباب بقدمي و قفزت فوق الدرج, لا اعلم كيف ركضت صاعدة الدرج كنت اقفز ثلاث واربع درجات صعودا والخوف يسيطر على جميع حواسي.
خرج اهل البيت للشرفة يصرخوا ينادوا اسمي ” ايمان ايمي ايش في؟ مالك؟ شو صار؟ صرخت “مستعمرين لاحقيني” بدقيقة كان د. ناصر قد وصل عندي. طبعا هرب المستعمرين عندما سمعوا اهل البيت والجيران خرجوا و اناروا امام بيوتهم و يصرخوا “يا اولاد الكلب والله لندبحكم.”

انتَظْرتُ صديقتي كفاية في بيت د. ناصر وانا في عالم آخر, حالة ذهول وخوف تجتاحني, الخوف ناتج عن عامل المفاجئة والوقت, ممكن لو حدث الموقف بالنهار سيكون هناك مقاومة، اكيد ففي الظروف الطبيعية نواجه المستوطنين والجيش بالحجارة و بكل ما تصل اليه ايدينا. الذهول من محاولتي لفهم ما حدث !!! كيف؟ فكل شئ حدث بسرعة البرق, الاضواء, وقوف السيارة, الطواقي و اللحى الطويلة, الجري, الصراخ, اصوات الناس…..وحالة الخوف. شعرت لفترة طويلة بالندم وعدم الرضى عن نفسي لأنني شعرت بالخوف, ماذا لو قاومت؟ ماذا لو لم اهرب !! وقاومت ومزقت وشوهت وجوههم باظافري؟ ماذا لو لم اهرب لو ؟ لو..؟لو…؟لو…؟ لكن بعد مرور السنين ايقنت ان ردة فعلي طبيعية جداً لمثل هذا الموقف فعامل المفاجئة دائما يضع الانسان في حالة دفاع عن النفس تتناسب مع الموقف, وفي حالتي كان الصراخ والركض والنجاة بالنفس. لأننا جميعنا نعلم اذا وقع شخص تحت أيدي المستعمرين ماذا يحدث له ؟؟؟؟ اكثر من حادثة وقعت على طريق جفنا في تلك الفترة واستشهد فيها ابرياء.

هذا الحادث لم ولن يخبوا من ذاكرتي فكلما اتذكره اسأل نفسي “لو لم يكن احد في المنزل تلك الليلة ماذا كان سيحدث لي؟ لو انني كنت بعيدة عن المنزل ماذا كان سيحدث لي؟ لو؟…لو؟…لو؟ اشكرالله دائماً لأنني ما زلت على قيد الحياة. ولا اريد ان افكر ماذا لو تمكن مني اربعة مستعمرين في ذلك اليوم وما ستؤول اليه حياتي اذا بقيت على قيد الحياة؟ لكن انا على يقين ان الله اعطاني فرصة للنجاة بالحياة لانه لا زال هناك الكثير لاقدمه في هذه الحياة. قدَرَ الله وما شاء فعل. وان كلي شكر وامتنان لله عز جل.

د. ايمي بيتاوي

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد