متحف الجماجم الفرنسي- د. رائد صبري أبو علفة
العالم الان – هل أتاك خبر متحف الجماجم ؟ وما أراك ما متحف الجماجم، إنها رؤوس قطعت بالفؤوس، وهل تعلم أين يقع هذا المتحف؟
ربما تكون الصورة المطبوعة في ذهن الكثير من العرب وغيرهم عن مدينة باريس، تتمثل في الشوارع الصاخبة التي تتناثر المقاهي على جنباتها، والقصور التاريخية ذات الحدائق البرّاقة، والمتاحف والمسارح الفنية، والأشجار السارحة المصطفّة على ضفاف نهر السين العذب؛ غير أنّ تلك الصورة قد تهتزّ حين تعلم أنّ أزيد من 18 ألف جمجمةٍ بشرية تعود إلى قادة وثوار عرب من سوريا ومصر شرقًا إلى تونس والجزائر غربًا تتباهى فرنسا بعرضها في متحف الإنسان.
هذه القصة كانت حبيسة رفوف المتحف الفرنسي وحبيسة الروايات التاريخية التي تتحدث عن اختطاف آلاف الرؤوس البشرية بالجزائر إبان الاحتلال الفرنسي، إلى أن أُثيرت القضية لأوّل مرّة في مارس (أذار) 2011 عن طريق الباحث الجزائري علي فريد بلقاضي.
وفي أكتوبر (تشرين الأوّل) 2016، بثّت قناة «فرنسا 24» الفرنسية، تقريرًا كشفت فيه لأوّل مرّة عن وجود أكثر من 18 ألف جمجمة؛ محفوظة بمتحف الإنسان في باريس؛ منها 500 فقط جرى التعرف على هويات أصحابها، من ضمنهم 36 قائدًا من المقاومة الجزائرية أبرزهم الشيخ بوزيان وشريف بوبغلة، وسي موسى الدرقاوي المحارب المصري الذي ساند المقاومة الجزائرية؛ وسي مختار بن قويدر الطيطراوي، والرأس المحنطة لعيسى الحمادي الذي كان ضابطًا لدى شريف بوبغلة، وكذلك رأس الضابط محمد بن علال بن مبارك، الذراع اليمنى للأمير عبد القادر؛ والذين قُتلوا ثم قُطعت رؤوسهم من قبل قوات الاستعمار الفرنسي أواسط القرن التاسع عشر، وكانت تلك الصور التي بثتها القناة الفرنسية الأولى من نوعها.
لقد تغافل الرئيس الفرنسي بعد تصريحاته الأخيرة المؤيدة للرسومات المسيئة لنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، والذي زعم فيها أيضا أن الإسلام يعيش أزمة حقيقية!!!
لقد تغافل الرئيس عن هذا المتحف الذي هو نموذج من نماذج التطرف والإرهاب عبر التاريخ الفرنسي الدامي. وتغافل عن التاريخ المسطر بالدماء خلال الاستعمار الفرنسي!
وكما جاء في المثل العربي: «رمتني بدائها وانسلت»، أي عيرتني بعيب هو فيها وذهبت، أو ألصقت بي تهمة هي صاحبتها وغادرت،
أن تاريخكم وأيدكم ملطخة بدماء الأبرياء، وعليه يجب أن تكون صادقين مع أنفسكم قبل غيركم، وخصوصا قبل تصريحاتكم الرسمية.
ولا يمكن لشخص فقد الإنسانية أن يلقي علينا دروسا فيها ففاقد الشيء لا يعطيه
لقد أفادت «الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان»، المستقلة عن الحكومة، بمناسبة مرور 54 سنة على استقلال البلاد 5 يوليو (تموز) 1962، أن الجزائريين الذين قتلهم الاستعمار الفرنسي من بداية الاحتلال عام 1830 إلى 1962، يفوق 9 ملايين شهيد. واستندت في ذلك إلى كتابات وتصريحات خبراء بالتاريخ، فرنسيين وجزائريين، ومن بينهم المؤرخ اليساري جاك جوركي الذي يخبرنا بأن فرنسا قتلت 10 ملايين خلال الحقبة الاستعمارية. كما ذكر الباحث في التاريخ، الجزائري محمد الحسن زغيدي أن عدد الشهداء يفوق 9 ملايين».
وتمثل الإحصائية الرسمية مليون ونصف المليون شهيد، خلاصة بحوث حول قتلى الجزائر خلال حرب التحرير التي دامت 7 سنوات (1954 – 1962). أما عن الفترة بين 1830 و1954 فلا يعرف عدد الجزائريين الذين سقطوا خلالها بسبب الاستعمار، على الرغم من أن المئات من المعارك والمقاومات قامت ضد الاحتلال، وبخاصة في الأرياف خاضها قادة بارزون ضد الاحتلال، أهمهم الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، ومعارك الشيخ المقراني ولالا فاطمة نسومر.
بقلم
رائد صبري ابو علفة
من كتاب مواجهة التطرف والارهاب في السنة والكتاب