المسلمون في دفاعهم عن كرامتهم، بين سندانِ المكيدة، وطريق الرد المطلوب، كما تبدو الطريق أوضح.- عامر غزلان
العالم الان – طوال السنين المرّة التي مر بها الإسلام من شيطنة مدبرة له من مختلف أجهزة الاستخبارات الدولية والتي أدت الي تصويره وحشاً سوف يلتهمهم، وطوال السنين التي تم تجييش دول العالم ومجتمعاتهم ضد الإسلام كدين والمسلمين كأمة إنسانية، لم يتخلى الملك الأردني عبدالله الثاني الذي يقودُ واحدة من أضعف دول الأمة الإسلامية وأقلها قدرة عن دوره، واجه كل العالم في صورة الإسلام الحقيقي الذي يمثلنا، دين السلام والعزّة والاحترام المتبادل، واجَهَ جهود المكائد الدولية والتي حصرت الفكر الإسلامي في عقول الغرب بالفكر الوهابّي الإرهابي، والذي حوَّر فيه الشيطان صوة الإسلام الحقيقي في أذهان الناس، من دين الرحمة والسلام والإعمار والتطلع إلى المستقبل، إلى دينٍ يحبُ القتل والدمار والخراب والتخلُف.
لقد عرف الملك عبدالله الثاني للعالم ما هو الإسلام، ابتدأ ومعه الأردنيون هذه المواجهة المعرفية برسالة عمان في عام 2004، بعد أن انتشرت موجات الكراهية للمسلمين وتحريفٌ ما يؤمنون به إلى صورة بشعة مخيفة، وضح فيها أصل معنى الإسلام بدون أي فهمٍ طائفي أو فهمٍ متحيزٍ لسياسة، ومر بتوضيحِ كثر من اشكالية اصطلاحية يمر بها الإسلام كإشكالية تعريف الجهاد والسيادة والعيش المشترك وعرفها في منصات العالم، ولولا جهود هذا الملك الحكيم لما وجد الغرب مصدراً يستمع إليه عن صورة هذا الدين الحقيقية، ولبقيت صورة المسلمين محصورة فيما يرويه المحرضون عنهم.
دعاة الفتنة يريدون أن يحدو حرية التعبير في كل ما يعنى بمقدساتهم وأولها الصهيونية، يجرمون كل من يتحدث عنها، وأيٌ حديثٍ يأتي حولها يقابلونه بالغضب والعقاب، لكنهم عندما يأتي الأمر للإساءة للمسلمين (وهنا لا أقول الاساءة للرسول محمد صلَ الله عليه وسلم لأن عالماً مجتمعاً لا يمكنه الاساءة له) يريدون ارغاما أن يقبل المسلمون هذه الاهانة وأن يضموها مكراً بصفتها حقاً من حقوقهم، مع أن تنفيد قاعدة أن الاساءة للرموز الدينية تحملة المبادئ التي نشأت عليها أغلب دول اوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية ومبادئ الجمهورية الخامسة الفرنسية، التي كانت تحمل مبادئ احترام الاختلاف والتنوع وتحقيق المواطنة الكاملة.
الفخ الذي وقعنا فيه كمسلمين، هو أننا بدل أن نرد الاساءة بردة الفعل الصحيحة النافعة، ذهبنا إلى تأييد الجرائم الإرهابية التي تحصل بسببها، من جزٍ للرؤوس وقتل وذبح، وفي حقيقة الأمر هذا ما أراده لنا أصحابٌ هذه المكيدة، وأقول جزئياً أنهم حققو ما كانو يصبونَ إليه، لقد وطدو في عقول أبناء القارة الأوروبية والعالم أن المسلمين إرهابيون وحوش يردون على الشتيمة بالقتل والذبح، ولهم في ذلك شواهد قديمة في حروب ما سمي ب “الجهاد العالمي” الممتجة من أواسط آسيا إلى شمالها، مروراً بسوريا والعراق وليبيا واليمن، المهاجرون المسلمون في اوروبا والعالم ذهبو لمهجر الغرب حاملين إرثهم من بلادهم معهم، جعلهم في حالة من عدم الاندماج كمواطنين في المجتمعات الغربية.
النصرة الوهمية التي قدمها بعض زعماء المسلمين والعرب جعلت أفق المواجهة النافعة ضيقاً، أردوغان وظَفَ الخطاب الشعبوي الديني مجددا من أجل أن يكسب الرأي العام في بلاده والعالم وليمشي في طريق تزعمه الوجودي للمسلمين في العالم، من دون أي فعلٍ حقيقي نافع على أرض الواقع يجبر فرنسا على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية التي تعتبر أن الاساءة لرموز الأديان ليست حرية للتعبير عن الرأي، كان بامكانه أن يعلن كرئيس دولة عن وقف التعامل الاقتصادي مع “الاحتلال الاسرائيلي” أولاً وفرنسا ثانياً، وكان بامكانه الرد بقرارات تضرب الاقتصاد الصهيوني الذي يغذي حملات التحريض ضد المسلمين، بدلاً من إلقاء نشيد “طلع البدر علينا” في البرلمان التركي.
وبعضٌ الزعماء العرب ليسو أخذلَ منه، جميعهم انكبو للمناصرة الوهمية لحملة مقاطعة فرنسا من دون أي فعلٍ حقيقي على أرض الواقع اكتفو بإطلاق الهاشتاق ليصمو أذان شعوبهم عن هرولتهم للتطبيعٍ مع دولة الصهاينة المحتلين اللذين هم أساس التحريض بحق المسلمين.
ما اعتقد أنه الحل، هو في حالة موقفِ عربية تطالب العالم بإنفاذٍ تشريعٍ يجرم الاساءة لجميع الرموز الدينية، نافذٍ على الغرب والشرق، على المسلمين وغير المسلمين، يجرم نشرَ خطاب الكراهية والانتقاص والتشويه الذي يعاني منه المسلمون في العالم، وإذا أراد المسلمون والعرب الابتداء في حملة مواجهة معرفية حقيقية، تقول للعالم من هم المسلمون وما هي عقيدتهم وفلسفتهم، فعليهم أن يرجعو لما قدمه الأردنيون في هذا المجال، رسالة عمان، والفكر النير الذي يقدمه ملكهم الأردنيّ العربيّ.
عامر غزلان
باحث في الشؤون السياسية