اليونيسكو: اللغة العربية ركيزة من ركائز الحضارة الإنسانية
العالم الان – قالت أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، إن اللغة العربية واحدة من أكثر لغات العالم انتشاراً، وهي لسان ما يربو على 422 مليون نسمة. وأضافت أزولاي، أمس: «إن العربية ركيزة من ركائز الحضارة الإنسانية، وهي لغة الابتكار والاستكشاف في مجالات العلوم والطب والفلك والرياضيات والفلسفة والتاريخ على مر العصور. وقد كانت -وما تزال- جسراً للمعرفة عبر الزمان والمكان، وأسهمت عبر القرون -مع بقية ثقافات العالم- في تراكم إرث الإنسانية».
وأشارت في كلمتها، في تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها، إلى أن «تقرير (حالة اللغة العربية ومستقبلها) ينبهنا لحاجتنا إلى جمع مزيد من البيانات حول الموضوعات المتعلقة باللغات، بما يكفل الحفاظ عليها وصونها واستمراريتها، ويعزز حضورها المهم، وهي مهمة تزداد إلحاحاً في عالمنا الرقمي الراهن، حيث يمكن لتطبيقات الذكاء الصناعي والتكنولوجيا الإسهام بدورها مع لغات العالم في نشر المعرفة ونقلها وإتاحتها».
وأطلقت وزارة الثقافة والشباب الإماراتية، أمس، تقرير «حالة اللغة العربية ومستقبلها»، بصفته أول تقرير بحثي يرصد حالة اللغة العربية في عدة محاور، وذلك ضمن فعاليات اليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام.
وقالت المديرة العامة لليونيسكو: «إنني أرى اللغة العربية اليوم مثل بوابة عبور إلى تراث ثقافي غاية في الثراء والتنوع، وأجد فيها مقدرات هائلة نحو توطيد أواصر التعاون بين الشعوب، وتحقيق السلم فيما بينها. لذلك ارتأت منظمة الأمم المتحدة في عام 1973 أن تكون اللغة العربية واحدة من لغاتها الرسمية المعتمدة».
وتابعت: «ستواصل اليونيسكو جهودها في حسن استغلال إمكانات هذه اللغة، لتكون حلقة وصل وجسراً نحو تحقيق مبادئ الكرامة والنزاهة والتحرر والمساواة بين المرأة والرجل، وما هذا التقرير إلا لبنة قوية متينة في بناء تلك المساعي المحمودة».
وجاء إعداد التقرير بناء على توجيهات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ليكون أساساً ودراسة موسعة لمقاربة تحديات اللغة العربية بطريقة علمية تساعد على تطوير أساليب استخدامها وتعليمها وتمكينها، بصفتها وسيلة للتواصل واكتساب المعرفة.
دراسة حالة اللغة
من جهتها، قالت نورة الكعبي، وزيرة الثقافة والشباب، إن التقرير «يشكل قاعدة أساس ونقطة مرجعية لمساعدة صانعي القرار في الحكومات والمؤسسات الخاصة على مستوى المنطقة والعالم في كل ما يخص اللغة العربية. وهذا التقرير سيكون اللبنة الأولى في إطار مشروع دائم لدراسة حالة اللغة العربية، والعمل على تعزيز حضورها واستخدامها بأشكالها المتنوعة».
وأشارت إلى أن المحاور العشرة للتقرير ركزت على أهم القضايا الأساسية التي تهم صانعي القرار العاملين في قطاع اللغة العربية، موضحة أن «هذا العمل هو جزء من التزام الإمارات بهويتها الثقافية وبدورها، بصفتها مساهماً فاعلاً في الهوية الثقافية لمنطقتنا».
وحول أهم المخرجات والتوصيات، قالت الكعبي: «رصد التقرير إيماناً راسخاً لدى شرائح واسعة من الشباب الجامعيين في العالم العربي بأن العربية هي أساس هويتهم الوطنية والعربية والدينية. كما أظهر ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد متعلمي العربية من غير الناطقين بها في بلدان متعددة، مما يثبت أن تعلم العربية ممكن، وفي متناول كل من يمتلك الحافز للتعلم».
هوية عميقة
ومن جانبه، قال الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي، في كلمته بالتقرير: «حظيت اللغة العربية باهتمام كبير من خادم الحرمين الشريفين في جميع خطبه وخطاباته وكلماته وتوجيهاته، حيث يؤكد أن خدمة اللغة تشريف وتكليف لإنسان هذا المكان، ويوجه دائماً بالاهتمام بها، في تجسيد كريم لاهتمام السعودية وصلتها العميقة باللغة العربية».
وأضاف أن السعودية «أنزلتها منزلة كبرى في جميع أنظمتها ولوائحها، بدءاً من النظام الأساسي للحكم، مروراً بأنظمة القضاء والثقافة والتعليم والإعلام وغيرها، إلى أن تجلت في (رؤية 2030) التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وللغة العربية مكانة كبرى في وجدان العرب والمسلمين، وذلك بالنظر إلى العامل التاريخي والثقافي والجغرافي، حيث يجد العرب فيها تاريخهم الثقافي العميق، ويشتركون مع إخوتهم المسلمين في استشعار قداسة النص القرآني الذي شرف لغتهم وخلدها في قلوب المسلمين في جميع العصور والأماكن».
وتابع: «أما نحن أبناء السعودية، فإننا نتشرف بما سبق، ونرتبط بهذه اللغة بروابط كثيرة، فهي لغة المكان والجغرافيا، ولغة التاريخ، ولغة الثقافة. وهي إلى جانب ذلك لغة دولتنا التي جاءت في المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم. وحين نتحدث عن اللغة، فإننا نتحدث عن هويتنا العميقة، وما نرويه أو ندرسه أو نكتبه أو نتجه إلى توثيقه إنما هو مرتبط بعمق هذه اللغة وثقافتها».
الانتماء لها
ومن جهتها، قالت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، في كلمتها بالتقرير: «اللغة أيضاً أم، غير أنها أم للكامن فينا من تشكل هذا العالم والوعي به، لسيرة الأشياء التي تصعد بداخلنا سيرة حياة نسميها (نحن)، واللغة هوية، هوية الوطن الذي إليه ننتمي، والثقافات التي نصنع، والمعنى الذي هو مقصد تشكل اللغة لصناعة الطريق إليه… لذا، فاللغة حافظة الهوية، وحضنها الأول… إنها الكلمة الأولى التي نستيقظ عليها في هذا العالم، في هذه الجهة من الأوطان تحديداً، ولأجلها يتحسس القلب ويشعر».
نمو نشر منصات اللغة العربية
وأظهر التقرير نمو منصات النشر الرقمية باللغة العربية، حيث وصلت عدد الروايات المنشورة في إحدى المنصات إلى 2600 رواية، فيما وصل عدد المشاهدات لبعض الروايات إلى 10 ملايين مشاهدة، وتعد اللغة العربية من بين اللغات الأكثر استخداماً على شبكة الإنترنت، حيث وصل العدد التقريبي لمستخدمي العربية على الإنترنت إلى 237 مليون مستخدم، و17 مليون تغريدة باللغة العربية يومياً، و72 في المائة من التغريدات في الوطن العربي باللغة العربية.
وأشار التقرير إلى إقبال كبير من المتعلمين غير الناطقين بالعربية على تعلم اللغة العربية في العوالم الجديدة، إذ تشير الأرقام إلى أن 31.5 ألف طالب جامعي في الولايات المتحدة درسوا اللغة العربية، واحتلت اللغة العربية المركز الثالث بين أكثر اللغات انتشاراً في مراحل التعليم العالي. كما أن هناك 60 جامعة درست اللغة العربية في المملكة المتحدة، و46 جامعة درست اللغة العربية في الصين.
وعن التوصيات والخطط المستقبلية للغة العربية، أشار التقرير إلى ضرورة رفع مستوى جودة المنتج العلمي العربي، وإنشاء مرصد للكتاب هدفه متابعة حركة النشر العربي، وإنشاء مركز أبحاث لتعليم اللغة العربية وتعلمها، وزيادة مستوى الاستثمار في المشاريع الخاصة باللغة العربية والتكنولوجيا.
وأوصى إقرار ميثاق إعلامي عربي مشترك يعنى باللغة العربية في الإعلام، وإيجاد مؤسسة عربية علمية موحدة مرجعية توحد جهود الترجمة وتنسقها، وتضبط المصطلحات المعرفية، وإقامة مرجعية دولية للغة العربية تعزز حضور اللغة والثقافة العربية في العوالم الجديدة، وتغير المقاربات المتبعة في تدريس اللغة العربية في المدارس.
وشارك عدد من الجهات في صياغة التقرير، من ضمنها وزارات الثقافة في السعودية والإمارات والبحرين، ومؤسسات دولية ومجاميع اللغة العربية، وشركات إعلام من ضمنها مجموعة «إم بي سي» الإعلامية، وهيئات تدريس وجامعات.
إلى ذلك قال حامد فايز نائب وزير الثقافة السعودي، إن مَجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُمثل تجسيداً للاهتمام الذي توليه المملكة للغة القرآن الكريم، موضحاً أن الحراك الثقافي الذي تعيشه البلاد في الوقت الراهن هو ثمرة للدعم الكبير من لدن القيادة للثقافة والمثقفين، وفي ظل «رؤية السعودية 2030» التي خلقت مجالاً حيوياً لحراك ثقافي سعودي مُنتجٍ وفعّال، يعكس العمق الحضاري للمملكة ويترجم اعتزازها بهويتها الثقافية العريقة.
وقال فايز في الندوة الافتراضية «مَجامع اللغة العربية: ضرورة أم ترف؟» التي أُقيمت أمس، إن للمجامع العربية دوراً تاريخياً مهماً في المحافظة على اللغة العربية وضمان سلامة ألفاظها وتراكيبها وقواعدها، مشيراً إلى أن «تاريخ البلاد يحفل بمبادرات عديدة لخدمة اللغة العربية، بدأت من عهد المؤسِّس الملك عبد العزيز -رحمه الله- وصولاً إلى العهد الحالي والذي يحمل فيه خادم الحرمين الشريفين وولي العهد شُعلة نهضة ثقافية شاملة ليست للسعودية فحسب بل للثقافة العربية عموماً».