هيام علي بدر ناسكة في محراب الأبجدية الحجرية للكاتب : صالح العجلوني
العالم الان – هناك حيث ولِدت أوغاريت لتكون أول أداة للتعبير عن الحب والشعر والخير والأمل، ولتوصل الإنسان بأخيه الإنسان عبر الحرف والبيان، ولدت هناك أبجدية أخرى لتعبر عن الغضب والحزن والحب والرفض والقهر والجمال؛ فعند أكتاف صافون ذلك الجبل الذي يرفع رأسه عاليا ليبصر الموج والمدى فيبعث البشرى لمن في البحر ويرد لمن في البر الصدى، ولدت أبجدية أخرى هي أبجدية الحجارة واتخذت طابعها الخاص كجزء من الفن التشكيلي الذي يقوم على تشكيل لوحات ناطقة بكل أنواع العواطف والمشاعر مادته الأولى والأخيرة والوحيدة في صنع ذلك الجمال والألم والأمل؛ هي الحجارة ولقد ولد هذا الفن من رحم المعاناة والألم والدمار الذي حل بسوريا الحبيبة من قبل مقاولي الخراب،
ونحن نعلم أنه على هامش الحرب والدمار تنشط بالعادة صناعة الموت، وينشط مقاولي الخراب وينشط تجار الحروب والسلاح ومروجي الشر ولكن لا أحد يلتفت لصناعة الجمال، ونحن نسجل هنا لآل بدر هذه الإلتفاة الرائعة للجمال التي أدت لابتكار هذا الفن الذي أبصر النور على يد الفنان المبدع نزار علي بدر ثم مالبث أن شاركته أخته الفنانة المبدعة هيام علي بدر في رعاية هذا الوليد الجميل فاستحق أن يطلق عليه اسم (الفن البدري) فهو وليد الأخوين بدر
ولقد اشتد عود هذا الفن الوليد ليتحول إلى طائر يطوف بالآفاق محلقًا في فضاءات الإبداع بجناحيه البدريين نزار وهيام؛ فحقق شهرة ورواجًا وقبولًا لأنه جاء وسط كل ذلك القتل والدمار؛ ليعبر عن ثورته في وجه ذلك الخراب الذي طال سوريا فصرخت حجارة صافون بيد الأخوين بدر في وجه كل الذين حاولوا تشويه وجه سوريا الجميل وعاثوا في رباها فسادا.
ولقد استوقفتني تجربة الفن البدري في تشكيل حجارة صافون لتصنع في خضم كل تلك الفوضى وكل ذلك الدمار هذا الفن الجميل، وليد اللحظة ليكون وثيقةً فنية يعبر عن قسوة البشرية التي عجزت عن وقف تلك المعاناة؛ فامتشق الأخوين بدر الحجارة في وجه تلك الفوضى في محاولة لأخذهم بالثأر من أعداء الجمال؛ فوثقوا بفنهم هذا؛ النزوح واللجوء والتشرد والدموع والدماء …
ولقد أضافت الفنانة هيام علي بدر إلى هذا الفن شيئًا من الحس الأنثوي المرهف؛ فبالإضافة للموضوعات التي سبق ذكرها تناولت الفنانة هيام مواضيعًا تتعلق بالمرأة والطفولة، بالإضافة لإقامتها معرضا دائمًا في حديقة منزلها، وجديرٌ بالذكر هنا أنها تقوم بكل أعمالها الفنية بالحجارة التي تجمعها من جبل صافون أو من أماكن أخرى قريبة منه والأعجب من ذلك أنها لا تقوم بنحت الحجارة او تلوينها أو معالجتها؛ فهذا يعد من محرمات هذا الفن؛ فهي تأخذ الحجارة كما هي من الطبيعة وتصوغ بها لوحاتها الفنية ليكون صوت الجمال المنبعث منها حقيقيًا وطبيعيًا، ومن الإضافات الجميلة التي أدخلتها الفنانة هيام على هذا الفن البدري؛ هو تثبيت الحجارة على الحصى لتظهر كمجسمات صغيرة جميلة، ومن جميل ما يذكرأيضا؛ أنها تقوم خلال المعارض بتشكيل العديد من اللوحات أمام الزوار بشكل مباشر علمًا بأن هناك تفاوت بالوقت الذي تأخذه اللوحات الحجرية التي تقوم بتشكيلها، ولا يمكننا الحديث عن الفنانة هيام علي بدر دون الإشارة إلى أنها تؤمن بأن الجمال ليس للبيع فهي بالرغم من قسوة الظروف الاقتصادية الراهنة وبالرغم من العروض التي تعرض عليها من هنا وهناك إلا أنها ترفض بيع لوحاتها بالرغم من أن هذا الفعل مباح في عالم الفن، إلا أنها تقوم بصنع الجمال من أجل الجمال وليس للإتجار .
وفي الختام لا يفوتنا أن نقول: أن الرؤية تبقى أبلغ بكثير من القول؛ فعندما تنطق الحجارة تصمت كل الحروف ويذهل الجمهور ويصفق الحضور.