اختناق متزايد في مرافئ العالم بسبب تداعيات جائحة «كورونا»

0 418

العالم الان – تشتغل رافعات شاهقة لوقت إضافي لنقل حاويات ضخمة من سفن الشحن في ميناء يانيونغانغ في شرق الصين، في سباق مع الزمن لمواكبة الطلبيات المتزايدة التي سبّبتها الجائحة وأدت لخنق قطاع الشحن العالم.
ومع تحميل الحاويات الضخمة على شاحنات تصدر أصوات ارتطام مدوية، نظر شي جيانغانغ، أحد كبار المسؤولين في شركة «بونديكس لوجيتيكس» الصينية للشحن، بتأمل إلى الأعمال المتراكمة، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال وهو يباشر الأعمال الجارية: «الأمر يشكل تحدياً كبيراً». والسفينة التي يتم تفريغها مملوكة لشركة من كوريا الجنوبية كانت عادةً تحمل ركاباً أيضاً لكن تم تحويلها بالكامل للشحن.
وعلى مقربة، اصطفّ أسطول من السفن بانتظار تفريغ حمولته في المرفأ الواقع في إقليم جيانغسو في شرق الصين. ولا يقتصر هذا المشهد على يانيونغانغ وحدها، فشبكات قطاع الشحن العالمي التي تؤمّن إمدادات الأغذية والطاقة والبضائع وتُبقي الاقتصاد العالمي واقفاً على قدميه، تواجه أكبر ضغوط في تاريخ القطاع.
سُلّطت الأضواء على قطاع الشحن البحري بعدما جنحت سفينة حاويات عملاقة مملوكة لشركة يابانية في قناة السويس، ما عرقل حركة الملاحة في الممر البحري الرئيسي لنحو أسبوع. وتم تعويم السفينة العملاقة الأسبوع الماضي لكن الأزمة الكبرى لا تزال قائمة، وسط تحذيرات من أن ارتفاع تكاليف الشحن قد يؤثر على إمدادات السلع الرئيسية أو أسعار البضائع الاستهلاكية.
بدأت الفوضى العام الماضي حينما أدى انتشار الوباء إلى تعطيل الأنماط المترامية الأطراف والمتوقعة التي يتم من خلالها مشاركة حاويات الشحن حول موانئ العالم. وعندما بدأ كثير من البلدان في تخفيف قيود «كوفيد – 19» في أواخر الصيف الماضي، تسببت موجة الطلبات المرتفعة من المستهلكين خصوصاً الذين يشترون عبر الإنترنت في صدمة لخطوط الإمداد. ما أدى لزيادة الصادرات من دول مثل الصين.
ومنذ نهاية العام الماضي تتكدس السفن خارج المرافئ الغربية المثقلة بالأعباء، تاركة المصدّرين الآسيويين يطالبون بإعادة الحاويات الفارغة اللازمة لإرسال شحنات أخرى. وتدفع الشركات في مرفأ يانيونغانغ، عاشر أكثر الموانئ ازدحاماً في الصين، وفقاً لمجلس الشحن العالمي، بحاويات البضائع المخصصة لقطاع السكك الحديد لاستخدامها في مجال الخدمات البحرية، وتضع طلبات عاجلة لمرافئ جديدة وتعيد توجيه بعض الشحن إلى المرافئ الصينية الأخرى.
وقال شي إن سعر شحن حاوية 40 قدماً من يانيونغانغ إلى الولايات المتحدة ارتفع إلى أكثر من 10 آلاف دولار من تكلفة اثنين إلى ثلاثة آلاف دولار في المعتاد. وتابع أنّ الوضع «يضغط على الجميع في سلاسل التوريد».
وشكّل طلب المستهلكين الأميركيين محركاً رئيسياً. وذكر مرفأ لوس أنجليس الشهر الماضي أنّ حجم العمل المنجز في فبراير (شباط) الفائت قفز 47% مقارنةً بالعام الذي سبقه، ما جعله أقوى أداء في فبراير على مدى 114 عاماً.
وارتفع عدد الحاويات الفارغة العالقة هناك. وقال مسؤول في مرفأ لوس أنجليس الأسبوع الماضي إنّ أكثر من 24 سفينة تنتظر دورها للرسو خارج لوس أنجليس لونغ بيتش، أكثر الموانئ ازدحاماً في الولايات المتحدة.
في العادة لا يوجد انتظار، ولكن متوسط التأخيرات الآن بات يزيد على أسبوع.
وصرح مسؤول آخر في الساحل الغربي: «لدينا أسابيع من العمل لكنّ المزيد من السفن تأتي يومياً».
ما يزيد من حالة الجمود أن عدداً من سفن الحاويات تم سحبها من السوق لإعادة ضبطها لتلبية معايير الحد من الكربون، فيما تسببت إجراءات التباعد الاجتماعي والإصابة بفيروس «كورونا» بين عمال الشحن إلى إبطاء عمليات الشحن. وأوضح المدير التنفيذي لميناء لوس أنجليس جين سيروكا، أخيراً أنّ المنشأة تركز على تلقيح عمال الميناء مع العمل على معالجة البضائع.
وقال سيروكا: «من الضروري أن نتخلص من تراكم الشحنات ونعيد المزيد من اليقين إلى التجارة عبر المحيط الهادئ». وقالت شركة «إس آند بي غلوبال بلاتس» لمعلومات السلع الأساسية إن السفن تكدست أيضاً في سنغافورة، أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في العالم، وإن مصداقية جدول الإبحار كانت في أدنى مستوياتها منذ 10 سنوات.
إلا أن ذلك لا يعني أن الجميع يشتكون. وخرجت شركة «ميرسك» الدنماركية، أكبر مجموعة للنقل البحري في العالم، من خسارة قدرها 2,9 مليار دولار في عام 2019 إلى تحقيق ربح العام الماضي بفضل الأحجام والأسعار المرتفعة في الربع الأخير من عام 2020.
لكن المخاوف تتزايد. وقال مدير اتحاد الصناعة الألماني هولغر لوش، في بيان، إن الوضع بدأ يؤثر على الصناعة الألمانية. وقال لوش: «القطاعات التي تعتمد على تسليم المواد الخام أو المكونات وكذلك شحن منتجاتها النهائية… تعاني من هذا على وجه الخصوص».
في الوقت نفسه، تكافح البلدان الأصغر التي تعتمد على التصدير من جنوب شرقي آسيا إلى أميركا اللاتينية التي تستخدم طرق تغذية ذات أولوية منخفضة لإيصال سلعها إلى السوق. وأثارت الضربة المزدوجة التي وجّهتها الجائحة ومن بعدها التراكم الناجم عن تعطل الملاحة في قناة السويس نقاشاً حول الإصلاحات الضرورية في قطاع النقل البحري، خصوصاً الحاجة إلى رقمنة أكبر لتسهيل التدفقات والمساعدة في الاستجابة للأزمات.
قال فينسينت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة «ميرسك للمحيطات واللوجيستيات» مؤخراً، إنّ الترتيبات الحالية «أثبتت أنها لا تسهّل الأمور على نحو متزايد… كما أنها غير فعّالة ومكلفة بالمثل للتعامل مع تغيرات الطلب».
ولا يزال من الصعب التنبؤ بالتأثير طويل المدى على التجارة والمستهلكين، فلا أحد يعرف على وجه اليقين متى سيتحسن الوضع، أو ما إذا كان قد يتفاقم.
وقال نائب رئيس سلاسل التوريد في الاتحاد الوطني للتجزئة في الولايات المتحدة جون غولد، إنه من المتوقع أن تمتد الأعمال المتراكمة إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ويرجع ذلك جزئياً إلى عرقلة الملاحة في قناة السويس.
وأوضح أنّه حتى الآن، استوعب كبار تجار التجزئة في الولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير تكاليف الشحن الإضافية، لكن من المتوقع أن يشعر المستهلكون بالضيق في مرحلة ما. وتشير التقديرات على نطاق واسع إلى أن التراكم قد يستمر من بضعة أسابيع أخرى إلى عدة أشهر. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «ميرسك» سورين شو، في مؤتمر عُقد مؤخراً: «مَن يدري ماذا يحدث عندما تخرج من جائحة؟». وتابع: «لا أعتقد أن أياً منّا على قيد الحياة قد جرب (هذا) الموقف».

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد